أو حتَّى توارى بالحجاب؛ لأنَّه إذا كنت أنت الذي تدور، ومقابلك ثابت؛ فالذي يتوارى هو الدائر.
فإذا كان الله تعالى أثبت أن التواري للشمس، دل هذا على أنَّها هي التي تدور، وهذا كقوله:{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}[الكهف: ١٧] وهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشَّمس.
وفي الصَّحيح عن أبي ذر رضي الله عنه أنَّه كان مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حين غربت الشَّمس، قال له:"أتدري أين تذهب؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"فإنَّها تسجدُ تحت العرش، فتستأذن، فإن أُذن لها وإلا قيل: فارجعي من حيث جئت، فتخرجُ من مغربها"(١). هذا هو ظاهر القرآن. والواجب على المؤمن أن يتّبع ظاهرَ القرآن، لأنَّ هذا هو الطَّريق في كل شيء، كما في أسماء الله وصفاته نتبع ظاهر القرآن، وكما في الأحكام الشرعيّة نتبع ظاهر القرآن. إذا في الأمور الكونية نتبع ظاهر القرآن، لأنَّ ظاهر القرآن صدر من الخالق العليم، فهو أعلم مِن خَلْقِه بخَلْقِه، قال الله تعالى:{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}[الكهف: ٥١] فإذا كان هذا صادراً من رب العالمين، يجب علينا أن نصدِّقه.
فالواجب علينا إذاً إجراء ظواهر الكتاب والسنة على ما هي عليه حتَّى يقوم لنا دليل حسي واضح يبيّن أن اللفظ ليس على
(١) أخرجه البُخاريّ، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشَّمس والقمر بحسبان (٣١٩٩)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (١٥٩) (٢٥٠).