للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظاهره، فلو فُرض أنَّه تبيّن تبيناً واضحاً مثل الشَّمس، أن الأرض هي التي تدور، فإننا نقول: عبّر بهذه الأفعال التي ظاهرها أن الشَّمس هي التي تدور باعتبار ما نشاهد، فتكون غربت باعتبار مشاهدتنا، لأنَّ المشاهَدَ المحسوسَ حسب الأمر الظاهر لعامة النَّاس أن الأرض ثابتةٌ والشمسُ تدور عليها، فيكون التعبير بحسب ما يشاهد النَّاس في الظاهر ولكن لا نحتاج إلى تأويل الآيات إلَّا إذا ثبت ثبوتاً حسّياً قطعياً لا إشكال فيه، لأنَّ الظاهرَ دلالتُه ظنيّة، ولا يمكن زحزحة هذه الدلالة إلَّا بدليل قطعي يكون أقوى منها.

١٤ - ومن فوائد الآية: أن الأرض كروية لأنَّه لما أثبت أنَّها تتوارى بالحجاب، دلّ هذا على أن الأرض هي التي تحجبها، وهي كما نشاهد تنزل شيئًا فشيئاً حتَّى تكون في الأرض فيدل ذلك على أن الأرض كروية، وهذا أيضاً أمر مقطوع به ولا إشكال فيه، فهو ظاهر من القرآن، وظاهر في الواقع، ففي القرآن يقول الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: ١ - ٤]. {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢)} وذلك يكون يوم القيامة، فقوله: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)} يدل على أنَّها قبل هذا ليست ممدودة، بل هي كروية، وهذا لا يعارض قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: ١٧ - ٢٠]، لأنَّ سطحها باعتبار المشاهدة، فأنت الآن إذا وقفت على الأرض تجدها مستوية إلى مد البصر.

<<  <   >  >>