أما ما ذكره المؤلف فهو باطل بلا شك، وأمَّا ما ذكر من أنَّه الولد الشق فالظاهر أنَّه ضعيف. بقي عندنا قولان:
الأوَّل: أنَّه شيطان سلط على كرسي سليمان فبقي فيه، وصار يدبِّر شؤون مملكته.
والثَّاني: أنَّه سليمان نفسه سلب الله منه التفكير وتدبير شؤون المملكة فصار لا يحسن التدبير. هذان القولان محتملان، أقربهما إلى اللفظ الأوَّل، أي: أنَّه شيطان ألقي على الكرسي، لأنَّ جسداً نكرة تقتضي أن يكون الملقى غير الملقى على كرسيه، ولكن الثَّاني أقرب من حيث المعنى، أي: أن الله تعالى إذا سلب من الإنسان عقله وتفكيره وسلطته فهو بمنزلة الجسد.
وعلى كل حال هذه الفتنة التي حصلت لسليمان عليه السَّلام بإلقاء الجسد على كرسيه، سواء أكان هو نفسه أم شيطان جلس على الكرسي، لا شك أنَّها فتنة عظيمة، ولا يتصوّرها أحد لم تمسَّه هذه الفتنة، لأنَّ ما نسمع من المصائب والفتن وغيرها نسمعها على أنَّها تمر علينا مروراً ذهنياً، وليس هذا كالذي يباشر المصيبة والقضية نفسها.
وعلى كل حال سليمان عليه السَّلام لما وصل به الأمر إلى هذه الحال أناب إلى الله، لأنَّ من طبيعة الإنسان إذا أصيب بمصيبة أن يحاسب نفسه. أما قبل أن يصاب فقد يغفل، لكن إذا أصيب صار يحاسب نفسه، ورجع إلى الله، حتَّى المشركون إذا ركبوا في الفلك، وأصابتهم الأمواج التي يضرب بعضها بعضاً، يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى، يدعونه مخلصين له الدين أن ينجيهم. فمن طبيعة