يقول: إنّ الله ثالثُ ثلاثة، ليس إلهاً واحدًا، ويقول عندي دليل: خلقنا، أنزلنا، من لدنا، منا، عندنا، كل هذه تدل على الجمع، فنقول له: إنّ في قلبك لزيغاً، لأنك اتبعت المتشابه، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}[آل عمران: ٧]، ما الذي أعمى بصيرتك عن قول الله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة: ١٦٣]؟ هذا محكم، والإتيان بصيغة الجمع للتعظيم أمرٌ وارد في اللُّغة العربيَّة، حتَّى النَّاس أنفسهم وهم بشر -لا يستحقون من العظمة ما يستحقه الخالق- يعبرون عن أنفسهم بصيغة الجمع تعظيماً لأنفسهم.
{رَحْمَةً مِنَّا} أي: من عند الله، {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣)} أي: عظة لأصحاب العقول، {رَحْمَةً مِنَّا} هذه خاصة بأيوب وأهله، {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣)} عامة، يتذكر بها أصحاب العقول، يتذكرون بأنّ المصائب تكون على الرسل وعلى غيرهم، وبأنّ الشَّيطان يمكن أن يسلّط على الرسول، ويتذكرون بها أن الإنسان إذا لجأ إلى ربه، ودعا ربه، فإن الله يجيبه، ويتذكرون بها أَنَّه كلما اشتد الكرب، قرُب الفرج، وقال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم-: "اعلموا أنّ النصر مع الصبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسراً"(١). وقال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة: ٢١٤]، يعني قريب من هذه الحال التي
(١) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٥/ ١٨ - ١٩ (٢٨٠٣)، والبيهقيّ في "شعب الإيمان" (١٠٧٤).