وهذه الفتوى من الله عزَّ وجل لأيوب، أفتاه بها تسهيلاً عليه وعلى أهله. وقد أشرنا قبل قليل أنَّه لما أصيب بهذه المصيبة مِن قِبل الشَّيطان، مصيبة نفسية ومصيبة بدنية ظاهرة شرد أهله، ومن ضمنهم زوجته التي كان ينبغي أن تبقى معه على السراء والضراء، فحلف أن يضربها مئة ضربة؛ لأنَّها أغضبته وتركته. فلما شفاه الله عزَّ وجل من المرض وجب عليه أن يفي بيمينه فيضرب زوجته مئة ضربة. والمئة ضربة قد يكون فيها شيء من الاشمئزاز بالنسبة لزوجته، ومن الإحراج بالنسبة له؛ فأفتاه الله تعالى هذه الفتوى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} فيه مئة شمراخ، واضربها به مرَّة واحدة، تكفي عن مئة ضربة، فأخذ بيده ضغثاً وضربها به ضربةً واحدةً، فصار ذلك براً بيمينه، ولهذا قال:{فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}، ومفعول {فَاضْرِبْ} محذوف وحذف -والعلم عند الله- للستر، لأنَّه ليس في القرآن أمر بضرب الزوجة، ولكنه جاء في القصص المعروفة عن بني إسرائيل. وليس المقصود أن نعرف عين المضروب، ولكن المقصود أنّ الضرب الذي كان قد حلف عليه؛ يحصل بأخذ هذا الضغث والضرب به.
وقوله تعالى:{وَلَا تَحْنَثْ} أصل الحنث: الإثم، كما قال تعالى:{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}[الواقعة: ٤٦] يعني على الإثم العظيم. والمراد به هنا أن لا يبر بيمينَّه، وعدم البر باليمين أن يترك ما حلف على فعله، أو يفعل ما حلف على تركه، وهذا هو الحنث.
على سبيل المثال: حلف ليشترينَّ كتاباً قال: والله لأشترين كتاباً ولم يشتِر، حنث بترك ما حلف على فعله. أو حلف أن لا يبيع