وإبليس لا شك أنه مبدأ كل شر، ولكن الله تعالى أبقاه لحكمة عظيمة، ولولا بقاء إبليس ما وجد عاص في الأرض، وإذا انتفى العصيان صار الناس أمة واحدة، ولم يكن الإيمان مزية، ولم يكن جهاد ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، ولو كان الناس أمة واحدة لتعطل كثير من شعائر الإسلام، فكان من الحكمة بقاء إبليس، وبقاء ما يدعو إليه إبليس.
٣٦ - ومن فوائد هذه الآيات: معرفة إبليس بالله حيث أقسم بعزة الله أن يغوي بني آدم لقوله: {فَبِعِزَّتِكَ}.
٣٧ - ومن فوائدها: أن من أسباب الإعانة أن يستعين الإنسان بما يناسب المقام من أسماء الله وصفاته، لأنه لم يقل: فبمغفرتك لأغوينهم، لو قال: فبمغفرتك لم يناسب المقام، لأنه يريد أن يتسلط والسلطة يناسبها من الصفات العزة دون المغفرة.
٣٨ - ومن فوائد هذه الآيات: أن إبليس وعد متوسلًا بعزة الله أن يغوي جميع بني آدم. ويتفرع عن هذه الفائدة أنه يجب الحذر من إبليس ووساوسه، فإذا قال قائل: ما الذي يُعلمني بوساوس الشيطان؟
الجواب سهل: كل شيء يأمرك بمنكر فهو من إبليس، وكل ما يثبِّطك عن الخير فهو من إبليس، فاحذر. فإذا وجدت في نفسك تأخرًا في الخير فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا وجدت في نفسك إقدامًا على الشّر فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}[البقرة: ٢٦٨].