الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٧ - ١١٨] فهنا جاء قوله: {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} جوابًا لقوله: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} وكان المتوقع أن تكون الآية: وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، فاستشكل بعض العلماء هذا، قالوا: كيف يقول: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ولم يقل: فإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم؟ وأجيب عن ذلك بأن عيسى عليه السلام لم يقتصر على ذكر المغفرة، بل ذكر المغفرة والتعذيب، قال: إن تعذبهم، وإن تغفر لهم، فكان الحكم الآن مترددًا بين المغفرة والرحمة، إن نظرنا إلى قوله:{وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}، وبين العزة والحكمة والحكم إذا نظرنا إلى قوله:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ}، فصار ختم القول بقوله:{فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أنسب لأن المغفرة إن حصلت فهي من عزة وحكمة.
٤ - ومن فوائد قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (١٠)} أن الخلق لا يملكون خزائن رحمة الله، ولا يملكون السموات والأرض وما بينهما؛ لأن ذلك لله عَزَّ وَجَلَّ. ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:"اللهم لا مانع لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعتَ"(١) فخزائن رحمة الله لا يملكها أحد، الذي يملكها هو الله عَزَّ وَجَلَّ، وفي حديث ابن عباس "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد
(١) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة (٨٤٤)، ومسلم، كتاب الساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته (٥٩٣) (١٣٧).