للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنت لو دعوتَ إلى الله وقام واحد وقال: أهذا ما تتوعدنا به! ائتنا به، عجل لنا به، لا شك أنك تضيق، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر، لكنِ الربّ عَزَّ وَجَلَّ يُصَبِّره شرعًا، ويعينه على ذلك قدرًا، يصبره شرعًا بالأمر اصبر اصبر ويعينه -على ذلك قدرًا، فقد صبر النبيُّ صبرًا لا يصبره أحد، قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: ٣٥].

والعجيب أن من صبره أنه صبر حين المقدرة عليهم، صبر على العذاب الذي يكون بيده، وعلى العذاب الذي يكون من عند الله، صبر على العذاب الذي يكون بيده حين فتح مكة ووقف على باب الكعبة وقريش تحته وقال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ " قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخٍ كريم، قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" (١) في هذا الحال يستطيع أن يبطش بهم فكلهم أذلة بين يديه، لكن قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" بل قال قبل ذلك: "من دخل داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" (٢) كل هذا من باب التسامح والعفو مع المقدرة.

أما عفوه وتسامحه مع المقدرة بأمر يوقعه الله سبحانه تعالى فيهم، فإنه لما رجع من الطائف بعد أن فعل به أهل الطائف ما فعلوا أرسل الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، وقال: إن الله يقرئك


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام ٤/ ٤٣ فتح مكة.
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام ٤/ ٣٦ فتح مكة.

<<  <   >  >>