كفّ النفس وعلى فعلها، على كف النفس عن ترك هذا المأمور به، وعلى الفعل يرغمها على أن تفعل؛ ولهذا قال أهل العلم: إن الصبر على أوامر الله أفضل من الصبر عن نواهيه، والصبر عن نواهي الله أفضل من الصبر على أقدار الله المؤلمة.
ومن ثم لو سألنا سائلٌ: أيما أعلى مقامًا وأفضل، صبر يوسف عليه الصلاة والسلام على الحبس، أو صبره عن فعل الفاحشة بامرأة العزيز؟ قلنا: صبره عن الفاحشة أعظم وأعلى مرتبة.
قال تعالى:{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} أي: في الله أولًا, لأن السورة من أولها في إنكار توحيد ألوهية الله، وفي الرسول، وفيما جاء به، وفي أصحابه. {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ} اذكر يحتمل أن يكون من الذكر، أي: الإخبار عن حاله، أي: اذكر للناس قصة داود، ويحتمل أن اذكر بمعنى تذكر داود، وإذا كان اللفظ يحمل معنيين لا يتنافيان، فالقاعدة التفسيرية أن يحمل عليهما جميعًا, لأنه كلما كانت دلالة الآية أشمل وأعمّ كان أولى. {عَبْدَنَا دَاوُودَ} وصف الله داود عليه الصلاة والسلام بالعبودية، وهذه أخص أنواع العبودية, لأن العبودية إما عامة، وإما خاصة، وإما خاصة الخاصة، فوصف الرسل بالعبودية خاصة الخاصة، ووصف المؤمنين بالعبودية خاصة، ووصف عموم الناس بالعبودية عامة، وعليه فالعبودية في قوله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم: ٩٣] عامة، وفي قوله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}[الفرقان: ٦٣] خاصة، وفي قوله:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ} خاصة الخاصة، وداود من