بأعدائه فهذا شدُّ ملك. يوجد ملك عنده آلاف الجنود والحراس ولكنه ضعيف، يخاف من ظله، ولا يحمي حدوده، هذا لا شك أنه وإن كان عنده حراس كثيرون وجنود، فإن ملكه ضعيف, لأن غاية ما ينفعه الجنود به أن يكونوا مدافعين فقط، لكن إذا قَوَّى الله ملكه بما عنده من قوة العزيمة والجلد والصبر والتحمل وعدم المبالاة بالأعداء، صار حينئذ عنده قوة مهاجمة ومدافعة، الأمرين جميعًا. أمّا من عنده جنود فالغالب أنه يُحرَس لضعفه، ولا أحد يشك بأن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من أقوى الناس ملكًا لكن خلافة، ومع ذلك ليس عنده جنود يحرسونه، بل هو بنفسه كان يجمع الحصباء في المسجد، ويضع رداءه عليها وينام عليه، ليس عنده أحد ومع ذلك فقد حماه الله عَزَّ وَجَلَّ.
إذًا شدُّ المُلكِ ليس مقتصرًا على كثرة الحرس والجنود، بل قد يكون في الحرس والجنود ما يؤدي إلى الضعف، إذا كان الإنسان لا يقوَى ولا يتحرك إلا بالحرس والجنود، فهذا قد يكون دليلًا على ضعفه وخوفه وعدم أمنه، لذلك فإن اقتصار المؤلف - رحمه الله - على كثرة الحرس والجنود في شد الملك، لا شك أنه ضعيف جدًا، وأهم شيء أن يقوى ملكه بما لديه من الشخصية وقوة العزيمة وعدم المبالاة بأعدائه.
قال رحمه الله:{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} قويناه بالحرس والجنود، وكان يحرس محرابه في كلّ ليلة ثلاثون ألف رجل] هذه إسرائيلية بلا شك، لم ترد عن معصوم، وبناء على ذلك، فإن كانت قريبة من التصور فإننا لا نصدقها ولا نكذبها، وإن كانت بعيدة من التصور فإننا