للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحِكْمَةَ} هنا نصبت مفعولين: الأول: الهاء، والثاني: الحكمة. وما هي الحكمة؟ قال المؤلف: [النبوة والإصابة في الأمور]، لأن النبوة حكمة بلا شك. كل نبي فإنه مؤتىً للحكمة، قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩] والإصابة في الأمور أيضًا حكمة، كون الإنسان يوفق للإصابة في الأمور مثل أن يكون ذا رأي سديد، فإن هذا لا شك أنه حكمة، ولهذا يقال: فلان حكيم زمانه، أي: لإصابته في الأمور.

وقوله: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال المؤلف: [البيان الشافي في كل قصد] فصل الخطاب، هل المعنى أنه يفصل الخطاب الصادر من غيره بمعنى أنه يفصلِ بين الخصوم، ما تخاطبوا فيه، كما يدل عليه قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} لأن المتخاصمين كل منهما يأتي بحجة، يتكلم ويقول، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو ما أسمع" (١). إذًا فصل الخطاب يعني فصل الخطاب الحاصل من غيره، أي: يفصل في خطاب الناس، أو فصل الخطاب يعني خطابه هو، يعني أن خطابه كان فصلًا، أي: ذا بيان وفصاحة، نقول: المعنيان محتملان، فالآية تحتمل هذا وهذا، وهما لا يتنافيان، فيجب أن تكون الآية محمولة عليهما، حتى إن بعضهم قال: إن فصل الخطاب هو قوله: أما بعد, لأن "أما بعد" تفصل ما قبلها عن ما بعدها, ولكن هذا ليس


(١) أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغضب، باب إثم من خاصم في باطل (٢٤٥٨)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة (١٧١٣).

<<  <   >  >>