للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أربعة لم يمنع أربعة: من أعطى الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطى التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطى الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطى المشورة لم يمنع الصواب. وكان يقال: إذا رعيت النعم بالشكر فهي أطواق، وإذا رعيت بالكفر فهي أغلال. قال حبيب:

نعم إذا رعيت بشكر لم تزل

نعماً فإن لم ترع فهي مصائب

وبعث الحجاج إلى الحسن بعشرين ألف درهم فقال: الحمد لله الذي ذكرني. قال علي بن أبي طالب: لا تكن ممن يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي تنهى ولا تنتهي، وتأمر الناس بما لم تأت، تحب الصالحين ولا تعمل بما عملوا وتبغض المسيئين وأنت منهم، تكره الموت لكثرة ذنوبك ولا تدعها طول حياتك. وقال المغيرة بن سعيد: اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك. فإنه لا بقاء لنعمة إذا كفرت ولا زوال لها إذا شكرت، وإن الشكر زيادة من النعم وأمان من النقم. وكان الحسن يقول: ابن آدم متى تنفك عن شكر النعم وأنت مرتهن بها؟ كلما شكرت نعمة تجدد لك بالشكر أعظم منها عليك، فأنت ما تنفك بالشكر عن نعمة إلا إلى ما هو أعظم منها.

وقال سفيان: لما جاء البشير إلى يعقوب عليه السلام قال: على أي دين تركته؟ قال: على السلام. قال: الحمد لله الآن تمت النعمة. وروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه: دعا إلى قوم ليأخذهم على ريبة فافترقوا قبل أن يبلغهم، فأعتق عثمان رقبة شكر الله تعالى إذا لم يجر على يديه فضيحة رجل مسلم. ويروى أن الحسن بن علي التزم الركن وقال: إلهي نعمتني فلم تجدني شاكراً وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر ولا أنت أدمت الشدة بترك الصبر! إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم ولا من الجافي إلا الجفا! وقال عون بن عبد الله: الخير الذي لا شر فيه الشكر مع العافية والصبر عند المصيبة.

وروي أن نملة قالت لسليمان بن داود: يا نبي الله أنا على قدري أشكر لله منك، وكان راكباً على فرس ذلول فخر عنه ساجداً ثم قال: لولا أني أبجلك لسألتك أن تنزع عني ما أعطيتني. وقال صدقة بن يسار: بينما داود عليه السلام في محرابه إذ مرت به دودة فتفكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله تعالى بهذه؟ فأنطقها الله تعالى وقالت: يا داود تعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك فيما آتاك. ولمحمود الوراق:

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله

على نعم ما كنت قط لها أهلا!

متى ازددت تقصيراً تزدني تفضلاً

كأني بالتقصير أستوجب الفضلا!

وكان لبعضهم صديق فحبسه السلطان، فأرسل إليه فقال له صاحبه: اشكر الله تعالى. فضرب الرجل فكتب إليه اشكر الله فجيء بمحبوس مجوسي مبطون، وقيد وجعل حلقة في رجله وحلقة في رجل المجوسي، وكان المجوسي يقوم بالليل مرات ويحتاج هذا إلى أن يقوم معه ويقف على رأسه حتى يفرغ، فكتب إلى صاحبه فقال: اشكر الله تعالى فقال: إلى متى تقول وأي بلاء فوق هذا؟ فقال له صاحبه: لو وضع الذي في وسطه في وسطك، كما وضع القيد الذي في رجله في رجلك ما كنت تصنع؟ ولبعضهم:

ومن الرزية أن شكري صامت

عما فعلت وأن برك ناطق

أأرى الصنيعة منك ثم أسرها

إني إذن ليد الكريم لسارق!

وقال رجل لسهل بن عبد الله: إن اللص دخل داري وأخذ متاعي. فقال: اشكر الله تعالى، لو دخل

<<  <   >  >>