للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللص إلى قلبك وهو الشيطان وأخذ التوحيد منه فما كنت تصنع؟ ولما بشر إدريس عليه السلام بالمغفرة سأل المغفرة فقيل له فيه فقال لأشكره فإني كنت أعمل قبل المغفرة، فبسط الملك جناحه فرفعه إلى السماء ويروى أن نبياً من الأنبياء عليهم السلام مر بحجر صغير يخرج منه الماء فتعجب منه فأنطقه الله تعالى فقال: منذ سمعت الله تعالى يقول {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم: ٦) وأنا أبكي من خوفه، فدعا النبي عليه السلام أن يجيره الله من النار، فأوحى الله إليه إني أجرته من النار، فمر النبي ثم عاد فوجد الحجر يتفجر منه مثل ما كان، فعجب فأنطق الله تعالى الحجر فقال له: لم تبكي؟ فقال ذلك بكاء الحزن والخوف، وهذا بكاء الشكر والسرور! وروى أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: ارحم عبادي المبتلى والمعافى. فقال: إلهي ما بال المعافى؟ قال: لقلة شكره على عافيتي إياه. وأولى رجل أعرابياً إيلاء حسناً فقال: لا أبلاك الله بلاء يعجز عنه صبرك، ولا أنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك! وأنشدوا:

سأشكر لا إني أجازيك منعماً

بشكري ولكن كي يرى ذلك الشكر

وأذكر أياماً لدي اصطنعتها

وآخر ما يبقى على الشاكر الذكر

ولبعضهم:

أوليتني نعماً أبوح بشكرها

وكفيتني كل الأمور بأسرها

فلأشكرنك ما حييت وإن أمت

فلتشكرنك أعظمي في قبرها!

ولبعض العرب في المعنى:

إلهي قد أحسنت عودا وبدأة

إلي فلم ينهض بإحسانك الشكر

فمن كان ذا عذر لديك وحجة

فعذري إقراري بأن ليس لي عذر

وكان مطرف يقول: إلهي تكون منك النعمة وعليك تمامها، وأنت تعين على شكرها وعليك ثوابها. وهذا باب عظيم من النعم على العباد. قال الله تعالى في الثناء على بعض عباده: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} (الاسراء: ٣) . وقال شاكراً لأنعمه اجتباه وكذلك سائر ما أثنى الله على عباده ثم قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (لقمان: ١٢) .

{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ} (الاسراء: ٧) . ليس للرب تعالى فيها قليل ولا كثير، فإنه أجل من أن ينال الحظوظ وأجل من أن يلحقه ثناء مثن أو شكر شاكر، فأخبر أن العلو والجلال له دونهم وأنه مقدس عن الناس بثناء مثن أو كفر كافر. قال تعالى: {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ} (ابراهيم: ١٠) فواعجبا أعطى ثم أثنى! وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كفر النعمة داعية للمقت، ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر ما أخذ منك، وحقيق بمن أسديت إليه نعمة أو قضيت له حاجة أن يكافي، فإن لم يقدر فليشكر، فإن شكرها فقد أدى حقها. قال الشاعر:

فلو كان يستغني عن الشكر ماجد

لرفعة مالٍ أو علو مكان

لما أمر الرحمن بالشكر خلقه

فقال: اشكروا لي أيها الثقلان

وقال بعضهم:

لئن عجزت عن شكر برك قوتي

وأقوى الورى عن شكر برك عاجز

فإن ثنائي واعتقادي وطاعتي

لأفلاك ما أوليتنيه مراكز

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: وقفت علينا امرأة فقالت: يا قوم تغير علينا الدهر إذ قل منا الشكر

<<  <   >  >>