للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أوليائه. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: ١٥٩) جرده عن حقائق البشرية وألبسه من نعت الربوبية حتى قواه على صحبتهم، وصبر على تبليغ الرسالة إليهم مع الذي كان يقاسيه مع كونه مستغرقاً باستيلاء الحق تعالى عليه يختص برحمته من يشاء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن إلف مألوف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف. وإنما سمي آدم لأنه تألف من الجواهر والألوان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجلين متغاضبين: آدم الله بينكما أي ألف بينكما. ومنه سمي الأدم المأكول لأنه يؤلف الطعام ويحسنه. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يتزوج امرأة: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما أي يؤلف بينكما.

وروي أن معروف الكرخي نزل الدجلة يتوضأ فوضع مصحفه وملحفته، فجاءت امرأة فأخذتهما فتبعها معروف وقال: يا أختي أنا معروف لا بأس عليك ألك ابن يقرأ؟ قالت: لا. قال: فزوج؟ قالت: لا قال: فهاتي المصحف وخذي الثوب. وروي أن أبا ذر رضي الله عنه كان على حوض يسقي إبله فأسرع بعض الناس إليه فانكسر الحوض فجلس ثم اضطجع، فقيل له في ذلك فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا غضبنا أن نجلس، فإن ذهب عنا وإلا فنضطجع. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنا لنصافح أكفاً نرى قطعها وقال أبو ذر: إنا لنبش في وجوه قوم وإن قلوبنا لتلعنهم. وقال الحارث بن قيس: يعجبني من الورى كل طلق الوجه مضحاك، فأما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في المسلمين مثله! وقال عروة بن الزبير رضي الله عنه: مكتوب في الحكمة: يا بني لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك طلقاً، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء، ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يسلم صاحباً صالحاً يغنم. وروي أن إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه خرج إلى بعض البراري فاستقبله جندي فقال: أين العمران؟ فأشار إلى المقبرة فضرب رأسه فأوضحه، فلما جاوزه قيل له: هذا إبراهيم بن أدهم زاهد خراسان. فجاء يعتذر إليه فقال: إنك لما ضربتني سألت الله لك الجنة، فقال: لم؟ قال: قد علمت أني أوجر على ذلك فلم أرد أن يكون نصيبي منك الخير ونصيبك مني الشر! وحكي أن أبا عثمان الجيزي دعاه إنسان إلى ضيافة، فلما وافى باب الدار قال: يا أستاذ ليس لي رغبة في دخولك وقد ندمت فانصرف يرحمك الله! فرجع أبو عثمان فلما وافى منزله عاد إليه الرجل وقال: يا أستاذ ندمت وأخذ يعتذر وقال احضر الساعة. فقام أبو عثمان ومضى معه فلما وافى داره قال مثل ما قال في الأولى وأخذ كذلك يعتذر، ثم كذلك في الثالثة والرابعة وأبو عثمان ينصرف ويحضر، ثم قال له: يا أستاذ إنما أردت اختبارك والوقوف على أخلاقك، وجعل يعتذر إليه

ويمدحه فقال أبو عثمان لا تمدحني على خلق تجد مثله في الكلاب، والكلب إذا دعي حضر وإذا زجر انزجر! وروي أن بعض الفقراء نزل على جعفر بن حنظلة، وكان جعفر يخدمه والفقير يقول: نعم الرجل أنت لو لم تكن يهودياً! فقال أبو جعفر: إن عقيدتي لا تقدح فيما يحتاج إليه من الخدمة، فسل لنفسك الشفاء ولي الهداية. وروي أن أبا جعفر العمودي المتعبد لقيه بعض الأجناد ومعه كلب الصيد فقال له: خذ هذا الكلب وقده خلفي. فأبى فضرب رأسه بالسوط حتى أوجعه فقال بعض المارين: ويحك هذا أبو جعفر العمودي العابد! فنزل عن فرسه وجعل يقبل يديه ويعتذر إليه فقال له: أنت في حل! قال إبراهيم بن الحسين: سمعت أبا جعفر العمودي ليالي عدة

<<  <   >  >>