للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وما هن؟ قال: يا بني لا تتبع هواك فتفارق إيمانك، فإن الإيمان يدعو إلى الجنة والهوى يدعو إلى النار، ولا تكثر منطقك في ما لا يعنيك فتسقط من عين الله، ولا تسيء بربك الظن فلا يستجيب لك، ولا تكن ظالماً فإن الجنة لم تخلق للظالمين. وبكى علي بن الفضل يوماً فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي على من ظلمني إذا وقف غداً بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة. ولمحمود الوراق:

إني وهبت لظالمي ظلمي

وتركت ذاك له على علمي

فرأيته أسدى إلي يداً

لما أبان بجهله حلمي

رجعت إساءته عليه أسى

حقاً فآب مضاعف الجرم

وغدوت ذا أجر ومحمدة

وغدا بكسب الذنب والإثم

ما زال يظلمني وأرحمه

حتى رثيت له من الظلم

فكأنما الإحسان كان له

وأنا المسيء إليه في الحكم

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصراً غيري. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لما كشف الله تعالى العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه ويرده إلى صاحبه. وقال أبو ثور بن يزيد: الحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه. وقال غيره: لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم لأوشك أن تخرب، وقال الحكيم: العدل مرمة والظلم ظلمة. بالعدل تجر إليك الجوانح وبالجور تهجم عليك الجوانح. فاحذر من لا جنة له إلا الثقة بمنزل الغير ولا سلاح له إلا الابتهال إلى مقلب الدول وقال مالك بن دينار: قرأت في بعض الكتب: يا معشر الظلمة لا تجالسوا أهل الذكر فإنهم إذا ذكروني ذكرتهم برحمتي، وإذا ذكرتموني ذكرتكم بلعنتي.

وقال أبو أمامة رضي الله عنه: يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم وعرف ما ظلمه به، فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات، فإن لم يجدوا حسنات حمل عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموا حتى يردوا الدرك الأسفل من النار. وفي صحيح مسلم: إن هشام بن حكيم مر بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت، قال: ما هذا؟ قالوا: يعذبون في الخراج. قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا. وأخبرني رجل ممن كان يقرأ العلم بالإسكندرية قال: كان ههنا شيخ عيناً للمساكين يدور حولهم، فرأيته في النوم بعد وفاته فقلت: من أين تجيء؟ فقال لي: لا تسأل! فأعدت عليه فقال: لا تسأل! فسألته فقال: لا تسأل من الجحيم! فقلت له: قل لي إلى أين تذهب؟ قال: إلى مثل الدار التي خرجت منها. قلت: كيف لقيت؟ قال: وماذا لقيت كأن لحمي جعل في هاون ودق حتى صار مثل المخ! وأخبرني رجل من أهل الدين والعلم قال: رأيت فلاناً البياع في النوم بعد وفاته فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أنا محبوس عن الجنة. قلت: بماذا؟ قال: كنت أبيع في الدكان فيزدحم الناس علي فآخذ دراهمهم فأجعلها في فمي، وكلما تفرغت وزنتها وأعطيت كل إنسان حقه، فاختلطت في فمي الفضتان فدفعت لأحدهما فضة الآخر، وكانت أنقص من فضته بحبة، ثم حوسبت فبقي علي حبة فقلت له: فادفع له الحبة فتخلص، فجعل يقلب كفيه ويقول: من أين أدفع له؟ يكررها مرات؟

<<  <   >  >>