نماما إلا وفي نسبه شيء. وسعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل، وكان أميراً على البصرة فقال: انصرف حتى أكشف عن أمرك. فكشف عنه فإذا هو ابن بغي يعني ولد زنا. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: لا يبغي على الناس إلا ولد بغي. وقيل: الزنيم الذي له زنمة في عنقه يعرف بها كما تعرف الشاة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لما وصفه الله عز وجل بتلك الخلال المذمومة لم يعرف حتى قيل زنيم، فعرف لأنه كانت له زنمة في عنقه يعرف بها كما تعرف الشاة بزنمتها، ومن ذلك قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الحجرات: ٦) نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فخرجوا يتلقونه تعظيماً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ففزع ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: منعوني صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثم كشف عن أمرهم فوجد ما قاله كذباً، فنزلت هذه الآية وسماه الله تعالى فاسقاً.
ومن ذلك قوله تعالى:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}(المائدة: ٤٢) . فشرك الله تعالى بين السامع والقائل في القبح وساوى بينهما في الذم، فكان فيه تنبيه على أن السامع نمام في الحكم. وأما ما روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى مسلم في الصحيح عن هشام قال: كنا مع حذيفة فقيل له إن ههنا رجلاً يرفع الحديث إلى عثمان ابن عفان رضي الله عنه. فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قتات، وفي لفظ آخر نمام. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: شراركم المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون العيوب. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ملعون ذو الوجهين، ملعون ذو اللسانين، ملعون كل شغاز ملعون كل قتات، ملعون كل منان. والشغاز: المحرش بين الناس يلقي بينهم العداوة والقتات: النمام والمنان الذي يعمل الخير ويمن به.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستبري من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرز في كل قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا وذلك لبركة يده صلى الله عليه وسلم. وأما السعاية إلى السلطان أو إلى كل ذي قدرة ومكنة، فهي المهلكة والحالقة لأنها تجمع إلى مذمة الغيبة ولؤم النميمة التغرير بالنفوس والأموال، والقدح في المنازل والأحوال وتسلب العزيز عزه وتحط المكين عن مكانته والسيد عن مرتبته، فكم من دم أراقه سعي ساع وكم حريم استبيح بنميمة نمام، وكم من صفيين تقاطعاً ومن متواصلين تباعداً، ومن محبين تباغضاً ومن إلفين تهاجراً ومن زوجين افتراقاً، فليتق الله ربه رجل ساعدته الأيام وتراخت عنه الأقدار أن يصغي لساع أو يستمتع لنمام.
روى ابن قتيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الجنة لا يدخلها ديوث ولا قلاع. فالديوث الذي يجمع بين الرجال والنساء، سمي بذلك لأنه يدث بينهم. والقلاع الساعي الذي يقع في الناس عند الأمراء لأنه يقصد الرجل المكين عند السلطان فلا يزال يقع فيه حتى يقلعه. وقال كعب: أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى عليه الصلاة والسلام، فخرج موسى ليستسقي ببني إسرائيل فلم يسقوا ثم خرج الثانية فلم يسقوا ثم خرج الثالثة فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إني لا أستجيب لك ولا لمن معك، فإن فيكم نماماً، فقال موسى: يا رب من هو حتى