نخرجه من بيتنا؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى أنهاكم عن النميمة وآيتها فأكون نماماً فتابوا فأرسل الله تعالى عليهم الغيث. ولما لقي أسقف نجران عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أمير المؤمنين احذر قاتل الثلاثة. قال: ومن قاتل الثلاثة؟ قال: الرجل يأتي الإمام بالحديث الكذب فيقبله الإمام، فيكون قد قتل نفسه وصاحبه وإمامه، فقال عمر رضي الله عنه: ما أراك أبعدت.
ووجدنا في حكم القدماء أبغض الناس إلى الله عز وجل المثلث. قال الأصمعي: هو الرجل يسعى بالنميمة في أخيه إلى الإمام فيهلك نفسه وأخاه وإمامه. وذكر الرجل السعاة عند المأمون فقال: لو لم يكن من عيبهم إلا أنهم أصدق ما يكون أبغض ما يكون عند الله عز وجل. وقال حكيم الفرس: الصدق زين على كل أحد إلا السعاية، فإن الساعي أذم وآثم ما يكون إذا صدق. ولله در الإسكندر حين وشى إليه واش برجل فقال له الإسكندر: إن شئت قبلناك على صاحبك بشرط أن نقبله عليك، وإن شئت أقلناك. قال: أقلني. قال: قد أقلناك، كف عن الشر يكف عنك الشر. وروي أن رجلاً سعى بجار له عند الوليد بن عبد الملك فقال له الوليد: أما أنت فتخبرنا أنك جار سوء فإن شئت أرسلنا معك، فإن كنت صادقاً أبغضناك وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت تركناك. قال: فاتركني يا أمير المؤمنين. فقال: قد تركناك! ومن أعجب العجب أن الرجل يشهد عندك في تافه بقل فلا تقبله حتى تسأل عنه: هل هو من أهل الثقة والعدالة والصيانة أم لا؟ ثم ينم عندك بحديث فيه الهلاك وفساد الأحوال فتقبله. وقال يحيى بن زيد: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما لما سقي السم: أخبرني من سقاك. فدمعت عيناه وقال: أنا في آخر قدم من الدنيا وأول قدم من الآخرة، أتأمرني أن أغمز؟ وقال رجل للمهدي: عندي نصيحة يا أمير المؤمنين. قال: لمن نصيحتك هذه ألنا أم لعامة المسلمين أم لنفسك؟ قال: لك يا أمير المؤمنين. قال مهدي: ليس الساعي بأعظمهم عورة ولا بأقبح حالاً ممن قبل سعايته، ولا يخلوا من أن تكون حاسد نعمة فلا يشفى لك غيظك، أو عدوا فلا يعاقب لك عدوك. ثم أقبل على الناس وقال: يا أيها الناس لا ينصح لنا ناصح إلا بما لله فيه رضى وللمسلمين فيه صلاح.
وروي أن رجلاً سعى برجل إلى الفضل بن سهل فوقع على ظهر كتابه: نحن نرى قبول السعاية أسوأ من السعاية لأن السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبل وجاز لأن من فعل أشر ممن قال. وروي أن رجلاً رفع إلى المنصور نصيحة فوقع على ظهرها: هذه النصيحة لم يرد بها وجه الله تعالى، ولا جواب عندنا لمن آثرنا على الله تعالى. وروي أن رجلاً قال للمأمون يا أمير المؤمنين الله الله في أصحاب الأخبار فإنهم قوم إذا أعطوا مدحوا، وإن حرموا ذموا وهم كاذبون! فقال المأمون: لله درها من كلمة ما أصدقها وأبين فضلها! وأمر أن يثبت في ديوان أصحاب الأخبار.
قال مروان ابن زنباع العبسي: يا بني عبس احفظوا عني ثلاثاً: من نقل إليكم نقل عنكم، وإياكم والتزويج في البيوت السوء، واستكثروا من الصديق ما استطعتم، واستقلوا من العدو ما استطعتم فإن استكثاره ممكن. وقال بعض الحكماء: احذروا أعداء العقول ولصوص المودات، وهم السعاة والنمامون إذا سرق اللصوص المتاع سرقوا هم المودات. وقال حكيم العرب: إياك والسعاة فإنهم أعداء عقلك ولصوص عدلك فيفرقون بين قولك وفعلك وفي المثل السائر: من أطاع الواشي ضيع الصديق، وقد تقطع الشجرة بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيف فيندمل