للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعل يمشي إلى أن دخل إلى خربة، فإذا فيها رجل مذبوح يتشحط في دمه ففزع وخرج هاربا. وإذا صاحب الشرطة والرجالة عندهم خبر القتيل، وجعلوا يطلبون خبر القاتل والمقتول، فأصابوا الجزار وبيده السكين وهو ملوث بالدم والرجل مقتول في الخربة، فقبضوه وحملوه إلى السلطان فقال له السلطان: أنت قتلت الرجل؟ قال: نعم! فما زالوا يستنطقونه وهو يعترف اعترافا لا إشكال فيه، فأمر به السلطان ليقتل فاخرج للقتل، واجتمعت الأمم ليبصروا قتله، فلما هموا بقتله اندفع رجل من الحلقة المجتمعين وقال: يا قوم لا تقتلوه فأنا قاتل القتيل! فقبض وحمل إلى السلطان فاعترف وقال: أنا قتلته! فقال السلطان قد كنت معافى من هذا فما حملك على الاعتراف؟ فقال: رأيت هذا الرجل يقتل ظلما فكرهت أن ألقى الله بدم رجلين، فأمر به السلطان فقتل ثم قال للرجل الأول: يا أيها الرجل ما دعاك إلى الاعتراف بالقتل وأنت بريء؟ فقال الرجل: فما حيلتي رجل مقتول في الخربة وأخذوني وأنا خارج من الخربة وبيدي سكين ملطخة بالدم، فإن أنكرت فمن يقبلني وإن اعتذرت فمن يعذرني؟ فخلى سبيله وانصرف مكرما.

ولما وزر فخر الملك بن نظام الملك لسنجار الملك، وكان لفخر الملك ابن عم يقال له شهاب الملك، وكان يخاف منه على منزلته فقال فخر الملك لسنجار: لا حياة لي معك إلا أن تقتل ابن عمي شهاب الملك! فأبى سنجار فما زال يراجعه إلى أن أمر به فحبس في بلد يقال لها بيهوا، وكان والي ذلك البلد يكرمه لجلالته وجلالة أهل بيته، وأخلى له دارا في القلعة مشرفة. ثم جعل فخر الملك يفسد قلب سنجار ويحمله على قتل شهاب الملك إلى أن أرسل سنجار إلى واليه بقتل شهاب الملك فاستعظم الوالي قتله وأخره أياما، ثم لم يجد بدا من قتله فعزم على قتله في يوم الجمعة، فبينا شهاب الملك يتطلع من طاقات الدار إذا بفارس يركض، فأوجس في نفسه خيفة منه وقال: هذا يريد يقتلني! فوصل الفارس وقال: مات فخر الملك. فخلى سبيل شهاب الملك، وزرا سنجار مكان فخر الملك، فسبحان الفعال لما يريد.

وأخبرني أبو الفضل المعتز بمصر قال: كان بمصر ملوك آل حمدان وكان الرئيس ناصر الدولة، وكان يشكوا وجع القولنج فأعي الأطباء ولم يوجد له شفاء. ثم إن السلطان دس على قتله فأرصد له رجلا معه خنجر، فلما جاء في بعض دهاليز القصر وثب عليه الرجل وضربه بالخنجر، فجاءت الضربة أسفل من خاصرته فأصاب طرف الخنجر المعاء الذي فيه القولنج، فخرج ما فيه من الخلط ثم عافاه الله تعالى وصح وبرئ كأحسن ما كان.

ولقد كنت بالإسكندرية ونزلت سفن العدو وبساحل مدينة برقة، فأخذوا مركبا للمسلمين وقتلوا بعضهم وأسروا بعضهم، فأخذ رجل منهم وشد كتافه من خلفه فلما انتهبوا السفينة عمد إليه بعض الأعلاج فرفسه فألقاه في البحر وطعنه برمح كان معه، فلم يخط نصل الرمح حبل الكتاف فقطعه، وانحلت يد الرجل فسبح حتى لحق بالساحل سليماً ووصل للإسكندرية في عافية.

وحدثني بعض الشاميين أن رجلا خبازا بينما هو يخبز في تنوره بمدينة دمشق، إذا عبر رجل يبيع المشمش قال فاشترى منه وجعل يأكله بالخبز الحار، فلما فرغ سقط مغشيا عليه فنظروه فإذا هو ميت، فجعلوا يتربصون به ويحملون إليه الأطباء فيلتمسون دلائله ومواضع الحياة منه، فقضوا بأنه ميت فغسل وكفن وحمل إلى الجبانة. فلما خرجوا به من باب المدينة استقبلهم رجل طبيب يقال له البيرودي، وكان طبيبا ماهرا حاذقا بالطب، فسمع الناس يلهجون بقصته فقال لهم: حطوه حتى أبصره قال: فحطوه وجعل يقلبه وينظر في أمارات الحياة التي يعرفها، ثم فتح فمه وسقاه شيئا وقال: حقنة حقنة. فاندفع ما هنالك يسيل وإذا الرجل قد فتح

<<  <   >  >>