للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه في الحرب يسمى سعدادة فقال له المقتدر: كيف ترى هذا اليوم؟ فقال سعدادة: هذا يوم أسود، ولكن بقيت لي حيلة. فذهب سعدادة وكان زيه زي الروم وكلامه كلامهم لمجاورتهم وكثرة مخالطتهم، فانغمس في عسكر الكفار ثم قصد إلى الطاغية روميل، فألفاه شاكاً في السلاح مكفتاً في الحديد، لا يظهر منه إلا عيناه فجعل يتحيله ويرتصد غرته إلى أن أمكنته الفرصة، فحمل عليه وطعنه في عينه فخر صريعاً لليدين والفم، ثم جعل ينادي بلسان الروم: قتل السلطان يا معشر الروم! فشاع قتله في العسكر فتجادلوا وولوا منهزمين، وكان الفتح بإذن الله تعالى.

ولما استضعف الروم صقلية ووضعوا عليهم الخراج، فكانوا يحملون إليهم الخراج ويحملون الأموال إلى العرب بإفريقية، ويستنجدون بهم على الروم فقال لهم ملك الروم: إنما مثلي ومثلكم يا أهل صقلية مثل رجل له زوجتان عجوز وصبية، فكان إذا بات عند الصبية تلقط الشيب من لحيته لتصبيه فيزهد في العجوز، وإذا بات عند العجوز تلقط الشعر الأسود من لحيته لتشيخه فتزهد الصبية فيه، فيوشك إن دام هذا به أن يصبح أطلس، كذلك حالكم معي ومع العرب، إذا أديتم المال لي ولهم يوشك أن تفقد أموالكم فتبقوا فقراء فأسلمكم وأسلم البلاد.

ويروى أنه لما هم بحصار صقلية أمر أن يبسطوا بساطاً في الأرض، ثم جعل في وسطه ديناراً ثم قال لوجوه رجاله: من أخذ منكم هذا الدينار ولم يطأ البساط، علمنا أنه يصلح للملك، فوقفوا حوله ولم يصل أحد إليه، فلما أعياهم ذلك طوى ناحية من البساط من عنده، وأمر أن يطوي كل واحد مما يليه حتى طوى البساط، فمدوا أيديهم فلحقوا الدينار، فحينئذ قال لهم: إن أردتم مدينة صقلية خذوا ما حولها من الحصون والمدن الصغار والضياع والقرى، حتى إذا ضعفت أخذتموها. وكان بسرقسطة فارس يقال له ابن فتحون، وكان يناسبني من جهة أمي فيقع ابن خال والدتي، وكان أشجع العرب والعجم، وكان المستعين أبو المقتدر يرى له ذلك ويعظمه، وكان يجري له في كل عطية خمسمائة دينار، وكانت النصرانية بأسرها قد عرفت مكانه وهابت لقاءه.

فيحكى أن الرومي إذا سقى فرسه فلم يشرب يقول له: ويلك! لم لا تشرب هل رأيت ابن فتحون في الماء؟ فحسده نظراؤه على كثرة العطاء ومنزلته من السلطان وأغروا به صدر المستعين، فمنعه إياه. ثم إن المستعين أنشأ غزوة إلى بلاد الروم فتواقف المسلمون والمشركون صفوفاً، ثم برز علج إلى وسط الميدان ينادي: هل من مبارز؟ فخرج إليه فارس من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله الرومي، فصاح الكفار سروراً وانكسرت نفوس المسلمين، ثم جعل الرومي يكر على فرسه ويقول: اثنان لواحد! فخرج إليه فارس من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله الرومي، فصاح الكفار سروراً وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الرومي يكر ويفر بين الصفين وينادي: ثلاثة لواحد! فلم يستجرأ أحد من المسلمين أن يخرج إليه وبقي الناس في حيرة.

فقيل للسلطان: ما لها إلا الوليد بن فتحون. فدعاه وتلطف به وقال له: أما ترى ما يصنع هذا العلج؟ فقال: هو بعيني! قال: فما الحيلة فيه؟ فقال أبو الوليد: فماذا تريد؟ فقال: اكف المسلمين شره! قال: الساعة يكون ذلك إن شاء الله تعالى. فلبس قميص كتان واستوى على سرجه بلا سلاح، وأخذ بيده سوطاً طويل الطرف وفي طرفه عقدة معقودة، ثم برز إلى النصراني فعجب منه ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فلم تخط طعنة النصراني سرج ابن فتحون، فإذا ابن فتحون متعلق برقبة الفرس ونزل إلى الأرض لا شيء منه في السرج، ثم ظهر على سرجه وحمل عليه وضربه بالسوط في عنقه، فالتوى على عنقه فأخذه بيده من السرج واقتلعه وجاء به يجره، فألقاه بين يدي

<<  <   >  >>