الجنس مخصوص بمعنى داخل تحت الماهية.
وإن قلت كم هو؟ فهو واحد في ذاته. متفرد بصفاته.
وإن قلت متى كان؟ فقد سبق الوقت كونه.
وإن قلت كيف هو؟ فمن كيف الكيفية لا يقال له كيف. ومن جازت عليه الكيفية جاز عليه التغيير.
وإن قلت هو. فالهاء والواو خلقه. بل ألزم الكل الحدث كما قال بعض الأشياخ لأن القدم له. فالذي بالجسم ظهوره. فالعرض يلزمه. والذي بالأداة اجتماعه. فقواها تمسكه. والذي يؤلفه وقت. يفرقه وقت. والذي يقيمه غيره. فالضرورة تمسه. والذي الوهم يظفر به. فالتصوير يرتقي إليه. ومن آواه محل. أدركه أين. ومن كان له جنس طالبته كيف. وجوده إثباته. ومعرفته توحيده. وتوحيده تمييزه من خلقه. فما تصور في الأوهام فهو بخلافه. ولا تمثله العيون. ولا تخالطه الظنون. ولا تتصوره الأوهام. ولا تحيط به الأفهام. ولا تقدر قدره الأيام. ولا يحويه مكان. ولا يقارنه زمان. ولا يحصره أمد. ولا يشفعه ولد. ولا يجمعه عدد. قربه كرامته. وبعده إهانته علوه من غير توقل. ومجيئه من غير تنقل. وهو الأول والآخر. والظاهر والباطن. القريب البعيد. الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأشهد له بالربوبية والوحدانية. وبما شهد به لنفسه من الأسماء الحسنى. والصفات العلى. والنعت الأوفى. ألا له الخلق والأمر. تبارك الله رب العالمين. وأومن به وملائكته وكتبه ورسله. لا نفرق بين أحد من رسله ونحن له مسلمون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى. وأمينه المرتضى. أرسله إلى كافة الورى بشيراً ونذيراً. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين. وأصحابه المنتخبين. وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين. وسلم تسليماً.
أما بعد. فإنني لما نظرت في سير الأمم الماضية. والملوك الخالية وما وضعوه من السياسات في تدبير الدول. والتزموه من القوانين في حفظ النحل. وجدت ذلك نوعين: أحكاماً وسياسات.
فأما الأحكام المشتملة على ما اعتقدوه من الحلال والحرام والبيوع والأنكحة والطلاق والأجارات ونحوها والرسوم الموضوعة لها والحدود القائمة على من خالف شيئاً منها. فأمر اصطلحوا عليه بعقولهم ليس على شيء منه برهان ولا أنزل الله به من سلطان. ولا أخذوه عن تدبير. ولا اتبعوا فيه رسولاً. وإنما هي صادرة عن خدمة النيران. وسدنة بيوت الأصنام. وعبدة الأنداد والأوثان. وليس يعجز أحد من خلق الله عز وجل أن يصنع من تلقاء نفسه أشباهها ومثالها.
وأما السياسات التي وضعوا في التزام تلك الأحكام والذب عنها. والحماية لها. وتعظيم من عظمها. وإهانة من استهان بها وخالفها. فقد ساروا في ذلك بسيرة العدل. وحسن السياسة. وجمع القلوب عليها. والتزام النصفة فيما بينهم على ما توجبه تلك الأحكام.
فكذلك في تدبير الحروب وأمن السبيل، وحفظ الأموال، وصون الأعراض والحرم، كل ذلك قد ساروا فيه بسيرة جميلة لا تنافي العقول شيئاً منها لو كانت الأصول صحيحة والقواعد واجبة، فكانوا في حسن سيرتهم لحفظ تلك الأصول الفلسفية كمن زخرف كنيفاً أو بنى على ميت قصراً منيفاً:
ولو لبس الحمار ثياب خز لقال الناس يا لك من حمار
فجمعت محاسن ما انطوت عليه سيرتهم خاصة من ملوك الطوائف وحكماء الدول، فوجدت ذلك في ست من الأمم وهم: العرب، والفرس، والروم، والهند، والسند، والسند هند.
فأما ملوك الصين وحكماؤها فلم يبلغ إلى أرض العرب من سياساتهم كبير شيء لبعد الشقة وطول المسافة.
وأما من عدا هؤلاء من الأمم فلم يكونوا أهل حكم بارعة، وقرائح نافذة، وأذهان