للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونادمت فيه كريم المغب

لندمانه طيب المخبر

فلست أرى مؤنساً ما حييت

عليه نديماً إلى المحشر

وأنشد ابن حزم وبعض الأدباء:

إن سصبنا الملوك تاهوا علينا

واستبدوا بالرأي دون الجليس

أو صحبنا التجار عدنا إلى الفقر

وصرنا إلى حساب الفلوس

فلزمنا البيوت نتخذ الح

بر ونملأ به وجوه الطروس

لو تركنا وذاك كنا ظفرنا

من أمانينا بعلق نفيس

غير أن الزمان أعمى بنيه

حسدونا على حياة النفوس

وقال غيره:

أنست إلى التفرد طول عمري

فما لي في البرية من أنيس

جعلت محادثي ونديم نفسي

وأنسي دفتري بدل العروس

قد أستغنيت عن فرسي برجلي

إذا سافرت أو بغل أنوس

ولي عرس جديد كل يوم

بطرح الهم في أمر العروس

فبطني سفرتي والخرج جسمي

وهمياني فمي أبداً وكيسي

وبيتي حيث يدركني مسائي

وأهلي كل ذي عقل نفيس

ولئن كان الناظمون قد وصفوا فجودوا وقالوا فأبلغوا فقد قصروا، وأجل ممدوح من أستقصى في مدحه المنتهى، واستمد في تقريظه المحتفل، وكيف لا والكتاب نعم الأنيس في ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير والنزيل! وعالم مليء علماً وظرف حشي ظرفاً وإناء مليء راحاً وحبذا بستان يحمل في أكمامه جوهراً أو درراً! وروضة نقلت في حجر. هل سمعت بشجرة تؤتي أكلها كل حين وساعة بألوان مختلفة وطعوم متباينة؟ هل سمعت بشجرة لا تذوي وزهر لا يتوى وثمر لا يفنى؟

ومن لك بجليس يفيدك الشيء وخلافه والجنس وضده؟ ينطق عن الموتى ويترجم عن الأحياء. إن غضبت عليه لم يغضب وإن سخطت عليه لم يجب. أكتم من الأرض وأنم من الريح، وألهى من الهوى وأخدع من المنى وأمتع من الضحى، وأنطق من سبحان وائل وأعيي من باقل. هل سمعت بمعلم واحد تحلى بحلل كثيرة وجمع أوصافاً غزيرة عربي فارسي هندي رومي يوناني؟ إن وعظ أسمع وإن ألهى أمتع، وإن أبكى أدمع وإن ضرب أوجع. يفيدك ويستفيد منك ويزيدك ويستزيد منك. إن حدث فسر وإن مدح فنزهة. قبر الأسرار وحرز الودائع وقيد العلوم، وينبوع الحكم ومعدن المكارم ومؤنس لا ينام. يفيدك علم الأولين ويخبرك عن كثير من أنباء الآخرين. هل سمعت في الأولين أو بلغك عن أحد من السافلين، من جميع هذه الأوصاف مع قلة مؤنته وخفة محمله؟ لا يرزءك شيئاً من دنياك. نعم الذخر والعقدة والشغل والحرفة، جليس لا يضرك ورفيق لا يملك. يطيعك بالليل طاعته بالنهار، ويطيعك في السفر طاعته في الحضر إن أدمت النظر إليه أطال إمتاعك وشحذ طباعك، وبسط لسانك وجود بنانك وفخم ألفاظك. إن ألفته خلد على الأيام ذكرك وإن درسته رفع في الخلق قدرك، وإن جملته نوه عندهم باسمك. يقعد العبيد مقاعد السادة ويجلس السوقة

<<  <   >  >>