تنتظم أمور الدنيا والآخرة، وكما أن أشجع الناس يحتاج إلى السلاح وأفره الخيل إلى السوط، وأحد الشفار إلى المسن، كذلك يحتاج أجل الملوك وأعظمهم وأعلمهم إلى الوزير. وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ما بعث الله نبياً ولا استخلف خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
وإنما اشتقت الوزارة من الوزر وهو الثقل. يريد أنه يحمل من أمر المملكة وأعبائها وأثقالها مثل الأوزار. أسعد الملوك من له وزير صدق، إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه. قال وهب بن منبه: قال موسى عليه السلام لفرعون: آمن ولك الجنة ولك ملكك. قال: لا حتى أشاور هامان. فشاوره في ذلك فقال: بينما أنت إله تعبد إذ صرت تعبد! فأنف واستكبر وكان من أمره ما كان. وعلى هذا النمط كان وزير الحجاج يزيد بن أبي مسلم لا يألوه خبالاً، ولبئس القرناء شر قرين لشر خدين! وأشرف منازل الآدميين النبوة ثم الخلافة ثم الوزارة الوزير عون على الأمور وشريك في التدبير، وظهير على السياسة ومفزع عند النازلة. والوزير مع الملك بمنزلة سمعه وبصره ولسانه وقلبه. وفي الأمثال: نعم الظهير الوزير.
واعلم أن أول ما يستفيد الملك من الوزير أمرين: علم ما كان يجهله، ويقوي عنده علم ما كان يعلمه. وأول ما يظهر نبل السلطان وقوة تمييزه وجودة عقله في استنجاب الوزراء واستنفاد الجلساء ومحادثة العقلاء، فهذه ثلاث خصال تدل على كماله وبهائه، يجمل في الخلق ذكره ويجل في العقول قدره، وترسخ في النفوس عظمته والمرء موسوم بقرينه. وكان يقال: حلية الملوك وزينتهم وزراؤهم. وفي كتاب كليلة ودمنة: لا يصلح السلطان إلا بالوزراء ولا الأعوان إلا بالمودة والنصيحة، ولا المودة والنصيحة إلا بالرأي والعفاف. وأعظم الأشياء ضرراً على الناس عامة، وعلى الولاة خاصة أن يحرموا صالحي الوزراء ولأعوان، فتكون أعوانهم غير ذي جدوى وغنى، ويحذر الملك أن يولي الوزارة غير المتحرين كيلا تضيع الأمور، كما يحذر أن يتطبب بغير طبيب بصير مأمون.
قال شريح بن أبي عبيد: لم يكن في بني إسرائيل ملك إلا ومعه رجل حكيم، إذا رآه غضبان كتب له صحائف في كل صحيفة: ارحم المسكين واخش الموت واذكر الآخرة. فكلما غضب الملك ناوله صحيفة حتى يسكن غضبه. وقال أزدشير: يحق على الملك أن يكون ألطف ما يكون نظراً أعظم ما يكون خطراً، ولا يذهب حسن نظره في الرعية خوفه لها، ولا يستغني بتدبير اليوم عن تدبير غد، وأن يكون حذره للمتملقين أكثر من حذره للمتباعدين، وأن يتقي بطانة السوء أشد من اتقائه العامة، ولا يطمعن في إصلاح العامة إلا بالخاصة. وقال أزدشير: لكل ملك بطانة حتى يجمع ذلك جميع المملكة، فإذا أقام الملك بطانة على حال الصواب أقام كل امرئ منهم بطانته على مثل ذلك، حتى يجتمع على الصلاح عامة الرعية.
ومثال الملك الخير مع الوزير السوء الذي يمنع الناس خيره ولا يمكنهم من الدنو منه كالماء الصافي، فيه التمساح فلا يستطيع المرء دخوله، وإن كان سابحاً وكان إلى الماء محتاجاً. ومثل السلطان مثل الطبيب ومثل الرعية مثل المرضى، ومثل الوزير مثل السفير بين المرضى والأطباء، فإن كذب السفير بطل التدبير، وكما أن السفير إذا أراد أن يقتل أحداً من المرضى وصف للطبيب نقيض دائه، فإذا سقاه الطبيب على صفة السفير هلك العليل، كذلك الوزير ينقل إلى الملك ما ليس في الرجل فيقتله الملك. فمن ههنا شرطنا أن يكون الوزير