صدوقاً في لسانه عدلاً في دينه، مأموناً في أخلاقه بصيراً بأمور الرعية، ويكون بطانة الوزير من أهل الأمانة والبصيرة، ويحذر الملك أن يولي الوزارة لئيماً فإن اللئيم إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه، واستخف بالأشراف وتكبر على ذوي الفضل.
ولما أراد سليمان بن عبد الملك أن يستكتب كاتب الحجاج يزيد بن مسلم، قال له عمر بن عبد العزيز: أسألك بالله يا أمير المؤمنين أن لا تحيي ذكر الحجاج باستكتابك إياه. فقال: يا أبا حفص إني لم أجد عنده خيانة دينار ولا درهم. قال عمر: أنا أوجدك من هو أعف منه في الدينار والدرهم. قال: ومن هو؟ قال: إبليس ما مس ديناراً ولا درهماً وقد أهلك هذا الخلق. ودخل رجل له عقل وأدب على بعض الخلفاء، فوجد عنده رجلاً ذمياً كان الخليفة يميل إليه ويقربه فقال:
يا ملكاً طاعته لازمة
وحبه مفترض واجب
إن الذي شرفت من أجله
يزعم هذا أنه كاذب
وأشار إلى الذمي، فاسأله يا أمير المؤمنين عن ذلك، فسأله فلم يجد بداً من أن يقول: هو صادق، فاعترف بالإسلام. لا يعرف وزير الملك ما له أو ما عليه حتى يراعي من صاحبه الواثق به ما يراعيه العاشق الغيور من المعشوقة المتهمة. وكان بعض الملوك قد كتب ثلاث رقاع وقال لوزيره: إذا رأيتني غضبان فادفع إلي رقعة بعد رقعة، وكان في الأولى: إنك لست بإله وإنك ستموت وتعود إلى التراب فيأكل بعضك بعضاً. وفي الثانية: ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء. وفي الثالثة: اقض بين الناس بحكم الله فإنه لا يصلحهم إلا ذلك. إذا كان الوزير يساوي الملك في الرأي والهيبة والطاعة فليصرعه الملك، فإن لم يفعل فليعلم أنه المصروع. وفي الأمثال: إذا سكنت الدهماء خافت الوزراء. ولما كانت أمور المملكة عائدة إلى الوزارة وأزمة الملوك في أكف الوزراء، سبق فيهم من العقلاء المثل السائر فقالوا: لا تغتر بمودة الأمير إذا غشك الوزير، وإذا أحبك الوزير فلا تخش الأمير. ويقال: الخرق مماراة الأمراء ومعاداة الوزراء، ورب أمر كرهه الأمير فتم بالوزير، وكم من أمر أراده الأمير فنهاه عنه الوزير! وإنما السلطان كالدار والوزير بابها، فمن أتى الدار من بابها ولج، ومن أتاها من غير بابها انزعج. وقال أنوشروان: لا يتم للملك أمره حتى يرفع نفسه عن كل عيب، ويكون له جليس مأمون الغيب وخادم ناصح الجيب. وموقع الوزارة من المملكة كموقع المرآة من النظر، فكما أن من لم ينظر إلى المرآة لم ير محاسن وجهه وعيوبه، كذلك السلطان إذا لم يكن له وزير لا يعرف محاسن دولته وعيوبها. كاتب الملك مستقر أسراره ولسانه الناطق عنه في آفاق مملكته، والمخصوص بقربه ولزومه دون نظرائه. ظهير الأمير وزيره وزينته حاجبه، ولسانه كاتبه ورسوله عينه. الكتابة قوام الخلافة وقرينة الرياسة وعمود المملكة. للكاتب على الملك ثلاثة أشياء: يرفع الحجاب عنه ويتهم الوشاة عليه ويفشي سره إليه.
وقد قالت الحكماء: لا يطمعن ذو الكبر في الثناء، ولا الخب في كثرة الصديق، ولا السيئ الأدب في الشرف، ولا الشحيح في البر ولا الحريص في قلة الذنوب، ولا الملك المتهاون الضعيف الوزراء في بقاء الملك، وكما أن المرآة لا تريك وجهك إلا بصفاء جوهرها، وجودة صقلها ونقائها من الصدأ، كذلك الأمير لا يكمل أمره إلا بجودة عقل الوزير وصحة فهمه وصفاء نفسه ونقاء قلبه. ومن شروط الوزير أن يكون مكين الرحمة