بن مريم عليهما السلام فقال: يا روح الله أخبرني بأشد الأشياء في الدارين. قال: غضب الله تعالى. قال: يا روح الله وما ينجيني من غضب الله تعالى؟ قال: اترك الغضب. قال: يا روح الله وما بدء الغضب؟ قال: التعزز والتكبر والفخر على الناس. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وجبت محبة الله على من أغضب فحلم. والذي يضرب بحلمه المثل في هذا الباب قصة إسحاق عليه السلام؛ قال له إبراهيم عليه السلام:{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ*فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}(الصافات١٠٣: ١٠٢) ، وأمر على حلقه السكين فلم يقل إلا خيراً، قال الله تعالى:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ}(الصافات: ١٠١) . وفي الأخبار يقول إبليس لعنه الله: إن الحديد من الرجال لم نيأس منه وإن كان تحيا بدعائه لأنه تأتي عليه ساعة يحتد فيها
فنصيب منه ما نريد.
وروي أن جعفر بن محمد دخل على الرشيد وقد استخفه الغضب فقال: يا أمير المؤمنين، إنك إنما تغضب لله تعالى فلا تغضب له بأكثر من غضبه لنفسه. واعلم أرشدك الله تعالى أن هذه الكلمة لا قيمة لها، والله أعلم حيث يضع رسالته، فما أفخمها وأجل قدرها وأعظم شأنها! لأنك إذا كنت أيها السلطان إنما تتصرف في ملك الله بأمر الله، فالله تعالى قد حدد حدوداً وشرع شرائع، وأقام فروضاً وسنناً ونهى عن حدود ورسوم، ثم قدر في كل خصلة عند مخالفته حداً محدوداً، ونهى أن يتجاوز ذلك الحد، فلا تقتل من استحق القطع والحبس والأدب والحد، ولا تحبس غير من استحق الحبس. وكانت الخلفاء يؤدبون الناس على قدر منازلهم، فمن عثر من ذوي المروءات أقيلت عثرته ولم يقابل بشيء، لقوله عليه السلام: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم. ومن سواهم كان يقابل على قدر منزلته وهفوته، فكان يقام قائماً في مجلس يقعد فيه نظراؤه فتكون هذه عقوبته، وآخر يشق جيبه وآخر تنزع عمامته من على رأسه، وآخر يكلم بالكلام الذي فيه بعض الغلظة.
قال الشعبي: كانت العصاة في زمن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم إذ أخذ الرجل منهم نزعت عمامته، وطيف به في المسجد على قومه وقيل: هذا رجل آخر بشعيرة. فلما ولي زياد ضربهم ونزع عمائمهم، فلما ولي مصعب بن الزبير حلق مع الضرب رؤوسهم. فلما ولي بشر بن مروان أقامهم على الكراسي ثم مدت أيديهم وسمرها بمسمار، ثم نزع الكرسي من تحت أرجلهم حتى تحزم أيديهم فمن ميت ومن حي. فلما ولي الرجل المعروف بالحجاج قال: كل هؤلاء يلعب، فمن أخل بشعيرة ضربت عنقه! وقال أرسطاطاليس: النفس الذليلة لا تجد ألم الهوان، والنفس الشريفة يؤثر فيها يسير الكلام؛ وفيه قيل:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
واعلم أن من تجاوز في العقوبة فوق ما حدد الله تعالى فيها، شارك المذنب في الذنب واستوجب ما استوجبه المجرم من العقوبة، وتبين بالآخرة أنه إنما يعاقب للهوى والتشفي إذا فما غضب لله تعالى. وفي كتاب سليمان بن داود عليهما السلام: القاهر لنفسه أشد ممن يفتح المدينة وحده، وصدق نبي الله عليه السلام، فإن السلطان يفتتح المدينة ويقهر أهلها، ويغلب جنودها وحماتها، ويقتل أبطالها ثم تغلبه شهوته ويبقى أسيراً في ذل هواه، قد قهرته قينة بطنبورها أو قدح خمر يلعب بعقله. وقال أكثم بن صيفي: الصبر على جرع الحلم أعظم من جنا ثمر الندم. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. سألت كثيراً من كبراء فارس عن أحمد ملوكهم عندهم؟ قال: