أزدشير فضل السبق غير أن أحمدهم سيرة أنوشروان. قال: فأي أخلاقه كان أغلب عليه؟ قال: الحلم والأناة. فقال علي رضي الله عنه: هما توأمان أنتجتهما علو الهمة. ومن محمود السيرة أن تعرف الناس من أخلاقك أنك لا تعجل بالثواب ولا بالعقاب، فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجي؛ قال محمود الوراق:
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب
وإن عظمت منه علي الجرائم
فما الناس إلا واحداً من ثلاثة:
شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف فضله
وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال، صنت عن
إجابته نفسي، وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا
تفضلت إن الحلم بالفضل حاكم
وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: أسرع الناس جواباً من لم يغضب، لا توقدن بين جبينك جمرة الغضب واردد إساءته بالحلم، فإن شجرة النار إذا ألحت عليها الرياح تخللت أغصانها، فتشعل نار فتحترق من أصوله. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ثلاث من أجتمعن فيه فقد سعد: من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر عفا وكف. وسئل جعفر بن محمد رضي الله عنه عن حد الحلم فقال: وكيف يعرف فضل شيء لم نر كماله في أحد؟ وقال الأحنف بن قيس لابنه: يا بني، إذا أردت أن تواخي رجلاً، فأغضبه، فإن أنصفك وإلا فاحذره. وكان مسلم بن نوفل سيد بني كنانة قد ضربه رجل من قومه بسيفه فأخذ فأتى به إليه فقال له: ما الذي فعلت أما خشيت انتقامي؟ قال: لا. قال: فلم؟ قال: ما سودناك إلا أن تكظم الغيظ وتعفو عن الجاني، وتحلم على الجاهل وتحتمل المكروه في النفس والمال، فخلى سبيله. فقال قائلهم:
تسود أقوام وليسوا بسادة
بل السيد المعروف سلم بن نوفل
وقال رجل من كلب للحكم بن عوانة: إنما أنت عبد فقال: والله لأعطينك عطية ما تعطيها العبيد! فأعطاه مائة رأس من السبي. ومن أمثال العرب: احلم تسد. ويروى أن هشاماً غضب على رجل من أشراف الناس، فشتمه فوبخه الرجل وقال له: أما تستحي أن تشتمني وأنت خليفة الله في أرضه؟ فأطرق هشام واستحى وقال له: اقتص! فقال: أنا إذاً سفيه مثلك! قال: فخذ عن ذلك عوضاً من المال. قال: ما كنت لأفعل! قال: فهبها لله. قال: هي لله ثم لك! فنكس هشام رأسه وقال: والله لا أعود لمثلها. قال الشاعر:
لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا
حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة
لا صفح ذل ولكن صفح إكرام
وقال آخر:
وجهل رددناه بفضل حلومنا
ولو أننا شئنا رددناه بالجهل
رجحنا وقد خفت حلوم كثيرة
وعدنا على أهل السفاحة بالفضل
وقال هشام لخالد بن صفوان: صف لي الأحنف بن قيس. قال: يا أمير المؤمنين، إن شئت عنه بثلاث وإن شئت أخبرتك عنه بثلاث وإن شئت باثنين وإن شئت بواحدة، فقال: أخبرني عنه بثلاث. قال: كان لا يحرص ولا يجهل ولا يدفع الحق إذا نزل به. قال: فأخبرني عنه باثنتين. قال: كان يؤثر الخير ويتوقى