الشر! قال: فأخبرني عنه بواحدة. قال: كان أعظم الناس سلطاناً على نفسه. وقال أكثم بن صيفي: الغلبة والعز للحلم. وقال الأحنف: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال. وصدق الأحنف فإن من حلم كان الناس أنصاره. كما روي أن رجلاً أسرع في شتم بعض الأدباء وهو ساكت، فحمى له بعض المارين في الطريق وقال له: يرحمك الله ألا أنتصر لك؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: لأني وجدت الحلم أنصر لي من الرجال، وهل حاميت لي إلا لحلمي؟ وقال رجل لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لأتفرغن لك! فقال له: الآن وقعت في الشغل. وقال عبد الله بن عمر: إن رجلاً ممن كان قبلكم استضاف قوماً فأضافوه، ولهم كلبة تنبح، فقالت: والله لا أنبح ضيف أهلي الليلة، فعوى جراؤها في بطنها، فبلغ ذلك نبياً لهم أو قيلاً من أقيالهم، فقال: مثل هذا مثل أمة تكون بعدكم تظهر سفهاؤها على حلمائها. وقال الأحنف: إياكم ورأي الأوغاد. قالوا: وما رأي الأوغاد؟ قال: الذين يرون الصفح والعفو عاراً. وسئل الأحنف عن الحلم فقال: هو الذي يصبر عليه، ولست بحليم ولكني صبور.
ويروى أن المهلب نازعه رجل من كبراء بني تميم، فأربى على المهلب والمهلب ساكت، فقيل له في ذلك، فقال: كنت إذا سبني استحيت من سخف السباب وتحلية اللئام والسفلة، وكان إذا سبني تهلل وجهه وشمخت نفسه بأن ظفر بفضل الفخر ونبذ المروءة، وخلع ربقة الحياء وقلة الاكتراث بسوء الثناء! ومر المسيح عليه السلام على قوم من اليهود فقالوا شراً فقال لهم خيراً، فقيل له: إنهم يقولون شراً وأنت تقول لهم خيراً! فقال: كل ينفق مما عنده. وقال أكثم بن صيفي: من حلم ساد ومن تفهم ازداد، وكفر النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم، ولقاء الإخوان غنم والمباشرة يمن، ومن الفساد إضاعة الزاد.
وسب رجل الشعبي بقبائح نسبها إليه، فقال الشعبي: إن كنت كاذباً فغفر الله لك، وإن كنت صادقاً فغفر الله لي! وقال رجل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك! فقال أبو بكر: معك يدخل لا معي! وقال رجل للأحنف بن قيس: إن قلت لي كلمة لتسمعن عشرة! فقال له الأحنف: لكنك لو قلت لي عشراً لم تسمع مني واحدة. وروي أن رجلاً سب الأحنف وهو يماشيه في الطريق، فلما قرب من المنزل وقف الأحنف وقال: يا هذا إن كان بقي معك شيء فقله ههنا، فإني أخاف أن يسمعك فتيان الحي فيؤذوك. وسب رجل بعض الحكماء، فقال له الحكيم: لست أدخل في حرب الغالب فيه شر من المغلوب. وقال لقيط بن زرارة:
فقل لبني سعد فما لي وما لكم
ترقون مني ما استطعتم وأعتق
أغركم أني بأحسن شيمة
بصير وأني بالفواحش أخرق
وإن تك قد ساببتني فقهرتني
هنيئاً مريئاً أنت بالفحش أحدق!
وقال رجل لأبي ذر رضي الله عنه: أنت الذي نفاك معاوية من الشام، ولو كان فيك خير ما نفاك! فقال: يا ابن أخي إن ورائي عقبة كؤوداً، إن نجوت منها لم يضرني ما قلته، وإن لم أنج منها فأنا شر مما قلت! وقال لقمان لابنه: يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا أخوك إلا عند الحاجة إليه. وسب رجل بعض الحكماء فأعرض عنه، فقال له: إياك أعني! فقال له الحكيم: وعنك أعرض! وفي ذلك قيل: