وأما الفعل "يتفرقون" - سواء نصب "يأتيه" أو رفع - فالجادة فيه النصب بـ"أن" مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية؛ لاعتماده على النفي المحض. ولكنَّ رفعه هنا جائز، ويتخرج على ثلاثة أوجهٍ؛ أولها: جارٍ على رفع "يأتيه" فقط، والثاني والثالث يجريان على رفعه ونصبه. الأول: أن تكون الفاء هنا ليست للسببية، ولكنها لمجرد العطف، ويكون النفي واقعًا على الفعلين معًا؛ أي: "لا يأتيه من الله شيء ولا يتفرقون عنه". الثاني: أن يكون مرفوعًا على ما ذكره بعض العلماء من أن الفعل المضارع في سياق فاء السببية قد يرفع ولا ينصب، ويكون معناه على النصب؛ يعني: أن تكون الفاء للسببية ويكون الفعل مرفوعًا. الثالث: أن يكون الفعل "يتفرقون" مرفوعًا على إهمال "أن" المضمرة بعد فاء السببية حملًا لها على أختها "ما"؛ كقولك: "قاموا قيامًا حتى يرونه قد سجد" أخرجه البخاري (٧٤٧). قال ابن مالك: "لكنه جاء على لغة من يرفع الفعل بعد "أن" حملًا على أختها"، ثم قال: "وإذا جاز ترك إعمالها طاهرة فترك إعمالها مضمرة أولى بالجواز". اهـ. و "حتى" يقدّر بعدها "أن" كفاء السببية. ومما وقع فيه المضارع بعد الفاء مرفوعًا مع اعتماده على النفي المحض: قوله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)} [المرسلات: ٣٦]، وقوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر: ٣٦] في قراءة من قرأ: "فيموتون" بإثبات النون. والله أعلم. وانظر في إهمال "أن": "شواهد التوضيح " لابن مالك (ص ١٨٠ - ١٨١)، و "أوضح المسالك" (٤/ ١٥٦). وانظر في الكلام على نصب المضارع بعد فاء السببية: "كتاب سيبويه" (٣/ ٢٨ - ٤١)، و "المحتسب" (١/ ١٩٢ - ١٩٣)، (٢/ ٢٠١ - ٢٠٢)، و "اللباب في علوم الكتاب" (٦/ ٤٩٢ - ٤٩٣)، (١٦/ ١٤٥ - ١٤٦)، (٢٠/ ٨٣)، و "البحر المحيط" (٧/ ٣٠١)، (٨/ ٣٩٩)، و "شرح كافية ابن الحاجب" (٤/ ٦٣ - ٦٨).