للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رحمه الله، وأنا أسمع، «مختصر المدونة»، وقرأت عليه «الأمر بالاقتداء والنّهي عن الشّذوذ عن العلماء وإيجاب الائتمام بأهل المدينة»، حدثنا بها كلّها عن الفقيه أبي محمد بن أبي زّيد، رحمه الله، قراءة عليه، ولازمه سنين وأقام بالمشرق سبعة عشر عاما وحج ثلاث حجج، وكان عابدا متبتّلا صائم دهره، يحاول عجن قوته وطبخه بيده ويصنع شيئا من صناعة الحلفاء ويجيء إليه من الصّناعة من يبيعها له، وكان لا يأخذ من أحد شيئا مما يعطاه، وكان بذّ الهيئة، قميء الشّخص، مفرط القصر، سناطا (١) أملط، / مكرّش الوجه (٢)، لا شعر على جسده غير شعر رأسه، حزّة، ضرير البصر، لا يشك من أبصره أنّه صقلبي خصي وهو فحل، وكان فقيها يقظا، ذاكرا، مع ما تقدّم من صفته ودمامته، وإذا تكلّم سمعت جهارة كلام وفصاحة لسان وحسن بيان يعجب منه الرّائي له. وأجاز لنا، رحمه الله، كتب ابن أبي زيد النّوادر وغيرها، وكان عنده بخطّ ابن أبي زيد أشياء يتبرّك بها ويرفعها في صوان.

وأما أبو سعيد خلف مولى جعفر الفتى، ويعرف بالجعفري، فإنّه سكن قرطبة وروى بها عن أبي جعفر بن عون الله وغيره، ورحل إلى المشرق، وسمع بمكة من أبي القاسم السّقطي وغيره، وبمصر من أبي بكر الأدفوي، وأبي القاسم الجوهري، وعبد الغني بن سعيد الحافظ، وبالقيروان من أبي محمد بن أبي زيد.

ذكره الخولاني وقال: كان من أهل القرآن والعلم نبيلا من أهل الفهم، مائلا إلى الزّهد والانقباض؛ وحدّث عنه أبو عبد الله محمد بن عتّاب وقال: كان خيّرا، فاضلا، منقبضا عن النّاس، وخرج عن قرطبة في الفتنة وقصد طرطوشة وتوفي بها سنة خمس وعشرين وأربع مئة وكذا قال محمد بن عتّاب؛ وقال أبو عمرو المقرئ: توفي في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وأربع مئة.


(١) أي لا لحية له.
(٢) أي: مقطب الوجه.

<<  <   >  >>