ولهذا جَعَلَ البلوغ والعقلَ شرطين للتكليف، فلابد من هذين الشرطين: أن يكون له قدرة في بدنه وقدرة في عقله، البلوغ يتعلق بقدرة البدن، والعقل يتعلق بقدرة الفهم، فقبل هذين الشرطين هو غير مكلف، فلابد من هاتين القدرتين، أي لابد من اجتماعهما حتى يكون مكلفًا.
والإنسان إذا كان صغيرًا ولم يكن مُتهيئًا لخطاب الشرع فإنه غير قابل للأمر والنهي؛ لأنه لا يفهم خطاب الشرع، ولو فرض أنه فهم فإنه لا يقدر لضعفه وعدم قدرة بدنه، لكنهما في الغالب متلازمان، وقد ينفك أحدهما عن الآخر في حق المعتوه مثلًا، فإنه قد يكون قوي البدن لكنه غير قادر على الفهم، وكذلك المجنون من باب أولى، والمراد بالخطاب هنا أن يكون مخاطبًا بالأحكام التكليفية لا الأحكام الوضعية، والأحكام التكليفة هي: الوجوب والتحريم والإباحة والاستحباب والكراهة.
أما الأحكام الوضعية فهي: الأسباب والشروط والموانع وغيرها، فهذه أمور معلقة على أسباب وعلى شروط وعلى موانع، فمتى ما وُجدت ربط الشرع أحكامه على أسبابها، فمثلًا: الصبي إذا كان عنده مال فإنه تجب فيه الزكاة، وكذلك المجنون على الصحيح من قولي العلماء، كما هو قول جمهور أهل العلم.
فإذا بلغ التكليف وكان عاقلًا غير معتوه ولا مجنون في هذه الحال يكون مكلفًا، ويكون لديه أهلية الأداء الكامل، فيعلق به حكم الشرع من جهة التكليف، فيكون مأمورًا منهيًا ولديه أهلية تامة للأداء، ولديه استعداد للإلزام