وهكذا غيره قد يخالف في مسألة فيجيزون بعض الأمور الممنوعة وبعض الأمور المحرمة، وكان طلحة بن عبيد الله يجيز أكل البَرَد وهو صائم، ومعلوم أن فطر يوم من رمضان أمر منكر ومحرم فهل يقال إنه يلحق به الوعيد في إجازته، وكان ابن عمر وابن عباس يمنعون التطيب للمُحْرِم بعد التحلل الأول، وهو سنة واضحة، فهل يقال في ذلك إنهم خالفوا؟ وقد قيل إنهم رجعوا عن ذلك.
وكان بعضهم يُلزم الحائض بالبقاء حتى تطوف للوداع، ولم تبلغه السنة في هذا، وأن المرأة إذا طافت للإفاضة وحاضت لا وداع عليها.
إذًا هذه الأمور في اجتهادات العلماء لا يمكن أن يقال إنه يلحقهم الوعيد؛ لأن من شرط الوعيد وجود الشروط وانتفاء الموانع.
وهذا وُجد شرطه مثلًا وهو كونه قال بهذا الشيء لكن يمتنع لحوق الوعيد به لمانع، والموانع كثيرة تعرض لها شيخ الإِسلام - رحمه الله - في رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وأنه يرتفع الوعيد بأشياء كثيرة عن من وقع في هذا الأمر وخالف النص، قد يكون لكونه لم يبلغه النص أو بلغه فتأوله.
ابن عباس - رضي الله عنه - لما قيل له في ذلك وسئل احتج بحديث قال: إن أسامة بن زيد حدثني، قال: إنه عليه الصلاة والسلام قال: "إنما الربا في النسيئة"(١)، و (إنما) للحصر ففهم منه أنه لا ربا فضل، وجاء عنه أنه رجع كما أسلفنا.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب البيع، باب: بيع الدينار بالدينار نسأّ (١/ ٥٤١)، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع (٥/ ٥) كلاهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.