للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا خلاف في جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، وقد دلَّ عليه قول عائشة: "فمنا من أهلَّ بعمرة ومنا من أهلَّ بحج ومنا من أهلَّ بهما". وأفضلها: "التمتع"، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما. وعنه: "إن ساق الهدي فالقِران أفضل، لفعله صلى الله عليه وسلم". وذهب الثوري إلى اختيار القِران، لقول أنس: "أهلَّ بهما جميعاً". و"ذهب مالك إلى الإفراد"، روي عن عمر وعثمان، لما "صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفرد الحج". ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا أن يحلّوا ويجعلوها عمرة"، ١ فنقلهم من الإفراد والقِران إلى المتعة، ولم يختلف عنه: "أنه لما قدم مكة أمرهم أن يحلّوا، إلا من ساق هدياً وثبت على إحرامه، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة"، ٢ ولأن التمتع في القران دون سائر الأنساك. وأما حجتهم بفعله صلى الله عليه وسلم، فعنها أجوبة: أحدها: منع أن يكون محرماً بغير التمتع، لأن رواة حديثهم رووا أنه تمتع، ومرة اختلفوا؛ والقضية واحدة. وأحاديثهم في القران أصحها: حديث أنس، و"قد أنكره ابن عمر". وأكثر الروايات أنه كان متمتعاً، وإنما منعه من الحل الهدي. وقول أبي ذر إنها خاصة بالصحابة يخالف الكتاب والسّنة والإجماع. قال أحمد لما ذكر له: أفيقول بهذا أحد؟ المتعة في كتاب الله.

فإن قيل: "نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية"، قلنا: قد أنكر عليهم علماء الصحابة وخالفوهم، قال سعد: "فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعُرُش"، والعرش بيوت مكة. وقال عمر: "والله إني لأنهاكم عنها، وإنها لفي كتاب الله، وقد صنعها رسول الله"، ولا خلاف أن من خالف الكتاب والسنة حقيق بأن لا يقبل نهيه. قيل لابن عباس: إن فلاناً


١ البخاري: الحج (١٦٥١) , وأبو داود: المناسك (١٧٨٩) .
٢ أبو داود: المناسك (١٧٨٤) .

<<  <   >  >>