للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو كره ولم يبطل البيع. وهذه هي الشبهة؛ وبقدر كثرة الحرام وقلّته تكثر الشبهة وتقل، لحديث النعمان بن بشير. والمشكوك فيه على ثلاثة أضرب:

الأول: ما أصله الحظر، كالذبيحة في بلد فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون، فإنه لا يجوز شراؤها، وإن جاز أن تكون ذبيحة مسلم، لأن الأصل التحريم؛ والأصل فيه حديث عدي: "إذا أرسلت كلبك فخالط أكلباً لم يسمّ عليها، فلا تأكل؛ فإنك لا تدري أيهما قتله". ١ متفق عليه. فإن كان ذلك في بلد الإسلام، فالظاهر إباحتها، لأن المسلمين لا يقرّون بيع ما لا يجوز بيعه ظاهراً.

الثاني: ما أصله الإباحة، كالماء يجده متغيراً لا يعلم بنجاسة تغير أو غيرها، فهو طاهر لأن الأصل الطهارة؛ والأصل فيه حديث عبد الله بن زيد قال: "شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يُخيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". ٢ متفق عليه.

والثالث: ما لا يعرف له أصل كرجل في ماله حلال وحرام، فهذا هو الشبهة. وكان أحمد لا يقبل جوائز السلطان، وذلك على سبيل الورع، فإنه قال: جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة. وقال: ليس أحدٌ من المسلمين إلا له في هذه الدراهم نصيب، فكيف أقول: إنها سحت. و"ممن كان يقبل جوائزهم: ابن عمر وابن عباس"، ورخص فيه الحسن ومكحول والزهري. واحتج بعضهم بـ"أنه صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً، ومات ودرعه مرهونة عنده". ٣ و"أجاب يهودياً دعاه، وأكل من طعامه". وقد أخبر الله أنهم {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} . ٤ قال أحمد فيمن معه ثلاثة دراهم فيها درهم حرام: يتصدق بالثلاثة. وإن كان معه مائتا درهم فيها عشرة حرام، يتصدق بالعشرة،


١ البخاري: الوضوء (١٧٥) , ومسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٢٩) , والترمذي: الصيد (١٤٧٠) , والنسائي: الصيد والذبائح (٤٢٦٣, ٤٢٦٤) , وأبو داود: الصيد (٢٨٤٩) , وابن ماجة: الصيد (٣٢٠٨) , وأحمد (٤/٢٥٦, ٤/٢٥٧) , والدارمي: الصيد (٢٠٠٢) .
٢ البخاري: الوضوء (١٣٧) , ومسلم: الحيض (٣٦١) , والنسائي: الطهارة (١٦٠) , وأبو داود: الطهارة (١٧٦) , وابن ماجة: الطهارة وسننها (٥١٣) , وأحمد (٤/٣٩) .
٣ البخاري: السلم (٢٢٥٢) , ومسلم: المساقاة (١٦٠٣) , والنسائي: البيوع (٤٦٠٩) , وابن ماجة: الأحكام (٢٤٣٦) , وأحمد (٦/١٦٠, ٦/٢٣٠) .
٤ سورة المائدة آية: ٤٢.

<<  <   >  >>