الوجه الخامس: أن المصنف جعل معنى الآية ومعنى ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه واحدا وليس الأمر كذلك, فإن التعطيل المذكور في الآية هو تركها بالكلية لاشتغال الناس عنها بما حل بهم من الهول العظيم. واما الترك المذكور في حديث أبي هريرة فهو ترك السعي عليها لا تركها بالكلية وأين هذا من ذاك.
وقد اختلف في معنى ترك السعي على القلاص فقال النووي معناه أن يزهد فيها ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب وهو شبيه بمعنى قول الله عز وجل. وإذا العشار عطلت. ومعنى لا يسعى عليها لا يعتني بها أي يتساهل أهلها فيها ولا يعتنون بها هذا هو الظاهر وقال القاضي عياض وصاحب المطالع معنى لا يسعى عليها أي لا تطلب زكاتها إذ لا يوجد من يقبلها.
قلت وهكذا قال ابن الأثير وابن منظور في لسان العرب أن معنى لا يسعى عليها أي لا يخرج ساع إلى زكاة لقلة حاجة الناس إلى المال واستغنائهم عنه.
قال النووي وهذا تأويل باطل من وجوه كثيرة. قلت بل هو أقوى وأظهر من قول النووي. ويؤيده ما رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذكر الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام, وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فيكون عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية