للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه خزائننا سدى كهمل النعام لا يلتفت إليها الأنام وإنما هي نهزة للسراق ونهي للديدان والحوادث في الآفاق.

وأما هؤلاء الشداة والنشأ من شباننا وفقهم الله فتراهم يهرعون إلى أوربا حيث يصححون في غالب الأحوال كتابًا على ما يزعمون ليفوزوا بالدكترة وإنما هم مخدوعون يخدمون الأجانب من حيث لا يشعرون إلا من أتى الله بقلب سليم. ولو منحوا خزائن الشرق من عنايتهم تمتة لخدموا العلم في مشارق الأرض ومغاربها خدمة تعد وتذكر في مآثرها ومناقها. ولا أغمطهم نعمتهم والله يشهد أني لا أغض منهم وإنما أنا بصنيعي هذا أنبه من هممهم الراقدة الراكدة وعزائمهم الهامدة الخامدة وآخذ بحجزهم إلى ما فيه صلاحهم وخير بلادهم لوجدت قلبًا واعيًا وهم فاعلون بمشيئة الله وتوفيقه.

إلا أن كثيرًا من الآثار التي خدموها بالطبع والنشر اعتمدوا فيها إما على نسخ غير قيمة أو يكون غيرها أولى منها أو ذهب عليهم فيما هم بصدده من الأخلاق الخطيرة بعض ما لم يتوفقوا لرؤيتها فلم يقضوا نهمتهم منها، ومن جراء ذلك ربما جرت عليهم أغلاط وراجت في سوقهم ثم تسربت إلى العلماء والكتاب فضلوا عن القصد وتاهوا.

ثم إن هاتيك الكتب منزوية في زوايا الإِهمال لم يقدر لها من يخدمها بالتعريف والتنويه والوصف والتنبيه بعد، وإن كان في تلك الزوايا خبايا ولسلفنا مآثر وبقايا فاعتمدنا في الأبواب على ملصقات الخلف ومزخرفاتهم فتناقص العلم وبار ونضب معينه وغار.

فالتقطت في كل باب من الأبواب غيضًا من فيض وبرضا من عد ليكون نموذجًا يدل على ما وراءه. وعندي بيان أماكن وجودها. وأقدم قبل كل شيء أن عدة من الكتب التي طبعت عن نسخ دار الكتب المصرية وغالبها بخط الطيب الذكر محمد محمود الشنقيطي أو غيره إنما توجد أمهاتها وأصولها بخزائن استنبول، كالموشح للمرزباني والصاحبي لابن فارس والميسر للقيني ودواوين ابن الدمينة. وجران العود ونابغة شيبان وابن قيس الرقيات والحماستين للخالديين والبصري ومنتهى الطلب إلى غيرها فيجب علينا إذن أن نبحث عن الأصل ثم نحكم بما نرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>