أوهام المستشرقين في دراساتهم عن أبي العلاء المعري (*)
كنت قد قرأت بيتًا من شعر المتنبي خلال دراستي لتاريخ الأندلس، يمدح فيه أحد علمائها، وذلك كما يأتي:.
كبرت حول بيوتهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق
والحقيقة أن الشاعر لم يبالغ فيما رآه من أن أهل الأندلس يستحقون كل فضل وثناء، وقد مضت مآت من السنين ولكن لم يظهر أيّ شعب على مسرح العالم يعشق العلم كما كان يعشقه أهل الأندلس، ولا يرجى أن يظهر مثل هذا الشعب في المستقبل.
ولذلك فليس عجيبًا أن تطلع شمس العلم من البلاد الغربية، ولكن مما يبعث على الأسف أن هذا الوضع لم يدم، ولم يستمرّ طويلًا. فظلّت هذه الشمس تطلع من جهة الشرق، ثم تغيّر مجرى الأحداث، وامتلك الغرب زمام العلوم والفنون منذ مئة سنة تقريبًا، واستغل تلك الثروة العلمية التي خلفها سلفنا، ولم نقدر قدرها، وتخلفنا نحن المسلمين في كلا المجالين، في مجال السياسة والحكم، وفي مجال العلوم والفنون، وكان العدو نشيطًا، فكرس جهوده على إحراز الفضل والتقدم في مجال العلم والفن، حتى حقق إنجازات علمية كبيرة تبعث على الإِعجاب، ولكنها لم تستطع أن تنبهنا من الغفلة والسبات التي تعودناها منذ أمد بعيد.
وإن أوربا لم تقم بخدمة علومها فحسب، بل استولت على تلك العلوم والفنون التي تعد من ثروتنا العلمية الخاصة، وجعلتها مجالًا للبحث والدراسة، واستعرضت آلافًا من مكتبات الشرق والغرب، واستخرجت منها كثيرًا من الكتب النادرة التي لم
(*) نشر بالأردية في مجلة "معارف" أعداد سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر ١٩٢٥، وقام بتعريبه ونشره آفتاب عالم الندوى في أعداد من مجلة "البعث الإسلامي" (١٤٠٧ هـ).