للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماذا رأيت بخزائن البلاد الإِسلامية (*)

سعادة الوزير الخطير وسادتي من العلماء الأعلام:

كنت أمني النفس برحلة إلى بلاد الإسلام منذ ثلاثين سنة، حتى آن أوانها وتيسرت الأسباب، فقمت بها على نفقة نفسي ومما توفر لدي من نفقات عيالي في ١٦ سبتمبر سنة ٣٥ م ورجعت في ٢١ يونيه سنة ٣٦ م. ونقبت عن جل المكاتب العمومية وبعض الخصوصية على ما تسنى لي، وهي لا تقل عن ٧٥ خزانة في مصر والإسكندرية واستنبول وحلب ودمشق والقدس وبغداد والنجف، وعلقت مذكراتي وما سقطت عليه من الشوارد والنوادر في الجزازات والدفاتر وأراها من خير ذخيرة اقتنيتها في حياتي وأخلفتها بعد مماتي، وهو شيء كثير في ضروب العلم ولكني أرفق بساعاتكم العزيزة فلا أسرد كلها عليكم غير أن ما لا يدرك كله لا يترك كله وفي المذكور دليل على المتروك.

لا يخفي على كل من طالع فهرستي ابن النديم وابن خير الإشبيلي وجملة من الأثبات المعروفة وكشف الظنون إلى غيرها من كتب التراجم والتواريخ كثرة الأسفار والمؤلفات التي خلفها لنا الأسلاف ووفرتها إلا أن معظمها كما هو معلوم ضاع وباد في عدة طامات حاق بالمسلمين نكالها ولكننا بعد كيت وذيت في حال لا يمر علينا شهر إلا ويأتي بخبر اكتشاف بعض ما كانوا يظنونه مكتومًا وبآحياء آثارهم الخالدة مما كان يحسب معدومًا.

ووضع علماء المشرقيات بالمغرب فهارس وافية لما تجمع شمله في خزائنهم، من كتبنا التي تناثر عقدها وتبدد شملها بحثوا فيها عن كل دقيق وجليل وقليل وكثير ووصفوا المخطوطات وصفًا لم يغادر في النفس حاجة إلا قضاها. ونحن في المشرق والجهل مخيم علينا سرادقه يقرع علينا في كل حين منه قارعة ويطرق علينا طارقة،


(*) لو ضمن "المباحث العلمية من المقالات السنية" (حيدر آباد ١٩٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>