للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصة المذكورة أعلاه يرويها الدكتور طه حسين عن "غرس النعمة" فيقول (١):

"ومن الواضح أن ليس لهذه الرواية ظل من الصحة، لأن موت أبي العلاء معروف لذلك أسرع ياقوت إلى رفض الرواية وتكذيبها، والعجب أن المستشرق الفرنسي "سلامون" لم يفهم ما كتب ياقوت فظن أنه صاحب الرواية واجتهد في الرد عليه، ولو أنه فطن لما كتب ياقوت لأراح نفسه من عناء كثير".

وأنا أقول للدكتور: نسب سلامون عن خطأ رواية القصة إلى ياقوت، لكنك يا ليت لو راجعت نفسك، فقد ارتكبت نفس الفرية ونسبت الرواية إلى غرس النعمة، رغم أنه منها براء، وسيتجلى لكم ما أقول لو أعدتم النظر في "معجم الأدباء"، ولا يغيبنّ عن البال أن "فلك المعاني" هو تأليف ابن الهبارية بدل "غرس النعمة"، فهل تسمحون لي بأن أنشد هنا بيتًا لصاحبنا:

وبصير الأقوام مثلي أعمى ... فهلموا في حندس نتصادم

* * *

لم يكن يحلو لي أن أطعن في الرجال شأن الآخرين كسبًا للتأييد وتمهيدًا للطريق، ولكني رأيت أن الباحثين إنما سلطوا الضوء على الجوانب المشرقة من إنجازات المستشرقين وخدماتهم على حساب الجوانب الأخرى من الضعف وعدم الحياد، والسلبيات التي تطرقت إلى أعمالهم وإنتاجاتهم، فكانت السنة الآلهية تقتضي أن لا يظل هذا الجانب مهملًا غير مطروق، على أنني أعرف جيدًا أن الإنسان لا يمكن أن يسلم أيّ عمله من العيب والخلل، فلا أبرئ نفسي ولا أزكيها على الله، غير أنه يبعث على الارتياح ويثلج المصدر أنني تحاشيت من الدعاوي ما استطعت وأتيت بما سيكبح -لو شاء الله- شيئًا كثيرًا من جماح المجانين المزعومين في بلادنا من الباحثين المستشرقين الذين كثيرًا ما يتجرأون على نسبة العصمة إلى أنفسهم.

هذا، ويحتوي البحث على كثير من آراء قيمة نادرة وملاحظات موضوعية بديعة فأرجو من الباحثين عن الحق أنهم سيضعون فوائده الحقيقية نصب أعينهم.

ألا ليقل من شاء ما شاء إنما ... يلام الفتى فيما استطاع من الأمر


(١) ذكرى أبي العلاء، ص ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>