وقع فتح السند في أيام الحجاج لما ولي العراق للوليد بن عبد الملك في آخر المائة الأولى. ولم يبتدئ القرن الثاني إلا وأفواج من مسلمي السند وما صاقبها من الهند يهرعون إلى الشام ثم إلى العراق ويتغلغلون في الحواضر والبوادي.
كان مواليهم المستعربون يتقلدون أعمال السلطان ويتولون ولايات في البلاد ويأخذون من الدين والثقافة العربية بحظ لا يقل من حظ القوم أنفسهم. وأكثرهم أقاموا بين أظهرهم بحيث نسوا أوطانهم التي منها خرجوا وفيها دبّوا ودرجوا. وههنا تزاوجوا وتوالدوا إلى أن انقطعت صلتهم ببلادهم الأصلية.
إلا أن اللكنة واللثغة كانت ولا تزال تَنمَّ عن الهجنة برهة من الزمان إلى أن زالت في منتصف القرن الثاني.
نشأ منهم علماء اللسان واللغة والشعر والحديث إلى نحو من مائتي سنة. فنبغ فيهم أمثال مكحول السامي والمنتجع بن نبهان وأبي عطاء السندي وأبي ضيلَع (*) ويقول ابن النديم أن له ديوانًا في ثلثين ورقة، إلى أن كان في ساقتهم أبو جعفر الديبلي المحدث وأبو الفتح كشاجم صاحب أدب النديم وهو حفيد السندي بن شاهك ..
تفرقت أخبارهم شَذَر مَذَر في دواوين الاداب والأخبار واللغات والأنساب. ولابد أن نتلهف ونتاسف هنا على ضياع مؤلفات المدائني وغيره ممن دوّن في تاريخ بلادهم وفتوحها. وذلك لانقطاع وصلة البلاد بالخلافة العباسية بعد النَعرة الشعوبية السائرة في العجم ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، وكنا إليها في حاجة ماسة.
(*) ترجم له ابن الجراح في الورقة رقم ١٥١ وأراه صواب اسمه كما هو فيه وفي نسخة صحيحة بتونك سن فهرست ابن النديم وفي آثار البلاد. وأبو الأصلع تصحيفه في الحيوان.