أبو عمر الزاهد غلام ثعلب الحُفَظة اللغوي المحدث "وكتاب المداخَل له"
نبغ للمسلمين في منتصف القرن الثالث من الهجرة علمان من كبار الأعلام ورحلتان عليهما المعول عند الاختلاف والمفزع في الخلاف. فأخذ طلاب العلوم يهرعون إليهما من كل صُقع وينسلون من كل حدب. وهما حاملًا لواء العربية ببغداد ومنتدى أهلها. وعليهما انتهت رياسة العربية وإليهما كان مرجع علماء المصرين (البصرة والكوفة) في تحقيق المسائل وتقييد الروايات كما قال:
أيا طالب العلم لا تجهلن ... وعُذْ بالمبرد أو ثعلب
تجد عند هذين علم الورى ... فلا تك كالجمل الأجرب
فخرج لهم من جهابذة التلامذة من ملأوا الآفاق وبثوا فيها من كل علم ما رق وراق. وكان القرن الثالث للإِسلام هو الذهبي من جهة استقرار الخلافة وتوطد الإمامة في قراراتها في أنحاء المعمور الشاسعة، ثم أخذ ظلها الوارف يتقلص عن الأطراف وينضوي إلى ما استعطف من مراكز الخلافة غير أن بزور العلم التي نثروها وأشجار الحضارة العربية التي غرسوها لم تكن لتذوي أو تذبل بعد ما سقوها من ينابيع عنايتهم الجارية وفيوضها الهامية المتوالية فنضرت وزهرت لما لم يخطر في الحسبان والظنون وأثمرت وأينعت على هنات هناك وشجون.
فمِمَّن تخرَّج على المبرَّد الزجَّاج وابن السراج وأبو علي الطوماري وأبو بكر بن أبي الأزهر وابن درستويه وأبو علي الصفار وأبو جعفر الصفار.
وممن أخذ عن ثعلب ابن الأنباري وأبو عمر الزاهد غلامه وأبو موسى الحامض كبير أصحابه وإبراهيم الحربي وأبو عبد الله اليزيدي وابن مقسم.
وممن أخذ عنهما أو خلط بين المذهبين أبو حسن الأخفش ثالث الأخافش وأصغرهم ونفطويه وابن كيسان والصولي وابن المعتز.