للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤلف بتفصيل (١) تاريخ الجامع في مختلف العصور وما طرأ عليه من الحوادث والتقلبات، وما أنشئت فيه من المباني، يظهر من كل ذلك مدى إسهام هذا الجامع في تثقيف بلاد المغرب وتغذيتها علميًّا وروحيًّا. ويوجد في مراكش كثير من الجوامع، إِلا أن ما امتاز به جامع القرويين من الشهرة والعظمة لم يكن في نصيب غيره من الجوامع. وكتاب ابن أبي زرع هذا طبع على الحجر بخط مغربي (٢)، وهنا أعرض أمام القراء مختارات من هذا الكتاب.

في عهد الإِمام إدريس -مؤسس دولة الأدارسة- كانت تقام صلاة الجمعة في جامع الشرفاء (٣)، وهكذا كان الأمر في عهد الأدارسة، وكان مكانَ جامع القرويين ميدانٌ فسيحٌ يحتوي على بعض الأشجار التي ورثها أحد من أهاليه. وعندما بدأت تجيء الوفود من سائر أنحاء البلاد إلى الإمام إدريس كان من بينها وفد القيروان. وكانت في هذا الوفد المرأة الصالحة أمّ القاسم فاطمة بنت محمد الفِهري القيرواني مع زوجها وأختها وبعض أقاربها، وهؤلاء نزلوا قرب الجامع المذكور. وسكنوا هناك وبعدما توفي زوج فاطمة وأختها ورثت أموالًا كثيرة من المكسب الحلال، وأرادت أن تصرفها في أعمال الخير، فاشترت أرضًا، وأسست الجامع يوم السبت في غرة رمضان المبارك سنة ٢٤٥ هـ (٤)، وبنته بكل عناية واهتمام -وهذه البئر التي توجد بداخل الجامع هي التي بنتها زمن بناء الجامع-، كانت تصوم في هذه المدة، وبعدما كمل بناؤه صلت ركعتين شكرًا الله على ما وفق. كان الجامع في ذلك الوقت يسع أربعة صفوف، وأمامه صحن صغير، وبين الجدارين الغربي والشرقي قدر مئة وخمسين إصبعًا، كما ذكره أبو القاسم بن حسنون في تفسيره في تاريخ مدينة فاس. ويقول بعض المؤرخين إن فاطمة أم البنين ومريم كانتا أختين (ابنتي محمد الفهري)، بنت فاطمة جامعة القرويين، وبَنت مريم جامع الأندلس. ثم قام بتوسيعه الزناتية (قبيلة من قبائل البربر) في دولتهم كما تبدو حدوده إلى الآن. ولم تكن في مسجد الشرفاء سعة، فبدأ الناس يصلون الجمعة في جامع القرويين من سنة


(١) انظر ص ٣٢ - ٥١ من الكتاب.
(٢) وهذا يختلف كثيرًا عن الخط الشرقي عندنا، ويقترب من أصله الخط الكوفي.
طُيع من جديد بالرباط سنة ١٩٧٣ عن دار المنصور (م. ي.).
(٣) القرطاس: ٣٢ (طبعة فاس).
(٤) في منجم العمران: (سنة ٢٤٦ هـ) ولعلها تاريخ انتهاء البناء، والمذكور فوق تاريخ البدء فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>