قرنين، ومع ذلك لم يتَوَفَّقْ للاستفادة من مُحكم ابن سيده، وقد بعثَ الله بدمشق حرسها الله مَن تولى الجمعَ بين المُحكَم والتهذيب والصَّحاح في عهد الملك المعظَّم ابن الملك العادل، فجمع بين المُحكَم والتهذيب والصَّحاح، بيد أنه مع كل هذه الجهود اللغوية لم ينشأ في القرن السادس وأوائل السابع رجلٌ عُني بجمع شواردِ هذه اللغة وفرائدها من جميع الكتب التي ألفها الرُّواة الأقدمون ثم أفنى عُمْرَهُ في الاشتغال بهذا الأمر الخطير، ولم يشتغل بغيره، ووقف على خزائن دور العلم ببغداد التي كانت تجمع ما صنفه المسلمون حتى كارثة هولاكو, لم يتوفر ذلك كله لغير الإِمام الصاغاني فألَّف تكملةَ الصحاح لِلجوهريّ، جاءت في ضعفي حَجمِه وجمعها في ست مجلدات ضخمة سماها مجمع البحرين، ثم رغب إليه الوزير ابن العلقمي في تأليف كتاب جامع لما تفرَّق من شُذور اللغة وشواردها، فلبَّى الطلبَ الذي يَهواه وصنف لنا العباب الزاخر إلى أن وافاهُ يومُهُ، وقد بلغ مادة (بكم) فقال فيه بعض حساده:
إِنَّ الصَّغاني الذي ... حاز العلومَ والحِكَمْ
كانَ قُصارَى أمرِهِ ... أَنِ انتهى إلى (بَكَمْ)
بذلك يظهر لنا أنه ليسَ لدينا من نُعَوِّل عليه في اللغة العربية الصحيحة غيرُ الإِمام الصَّغانِي. ذلك الذي نضج علمُهُ وجمعَ شواردَ اللغة وفرائدها, لأنه كان في القرن السابع الذي لم يؤلِّف في اللغة أحدٌ مثلَه ولا من جاءَ من بعده، وهذا هو السبب الذي من أجله نعتقدُ أنه لا أنفع ولا أصلح من نشر العُباب الزاحر واللُّباب الفاخر؛ ومن يمن الطالع أن منه عدة نسخ في الخزائن ومنها ما هو بخطَّ المؤلف ولا غاية لمستزيد وراءَها، وخَطُّهُ النَّسخي جميل، كتبه بغاية الحِذْقِ والتمحيص مما لم نجد له نظيرًا، فمن واجب العرب العلمي والقوميّ بل من أجل أعمال مجمع اللغة العربية بدمشق، وقد خلق لحياةِ لسان العرب، أن يؤلف لجنةً لغوية تتالف من حُذَّاق اللغة وعُشَّاقها لتقومَ بنشر هذا السفر الجليل وبالأعمال العلمية التالية:
أن يعارَض العُباب بسائر مؤلفات الصاغاني التي منها ولله الحمد نسخٌ في الأرض جليلة ثم يعارَضُ بمحكَم ابن سيدَه ولا مناصَ من ذلك، وحينما تبلغ اللجنة اللغوية مادة (بكم) تُتِمُّ هذه المادة وما بعدها من الأحرف القليلة الباقية بالرُّجوع إلى كتابه مَجمع البحرين بعد معارضة ما فيه بالتكملة والحاشية وصلتها وبالمحكم أيضًا،