للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرد. وذلك أن تقول [كذا] لقائل أكلت تمرًا؟ فتقول كلا أي إني لم آكله. فقولك كلا مبني على خبر قد ذكره غيرك ونفيته أنت، قال الله عَزَّ وَجَلَّ في قصة من قال (١) [مريم ٨٠، ٨١] {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا} أي إنه لم يطلع ولم يتخذ العهد. وأصوب ما يقال في ذلك أن كلا رد للمعنيين جميعًا. وذلك أن الكافر أدى [؟ ادعى] أمرًا فكذب فيه، ثم قيل: أتراه اتخذ عهدًا أم اطلع الغيب. كلا أي لا يكون ذا ولا ذاك.

وأما قوله تعالى [مريم ٨١]: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا} فكلا رد لما قبله وإثبات لما بعده؛ لأنهم زعموا أن الآلهة تكون لهم عزا. وذلك لقولهم [الزمر ٣] {مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. قيل لهم كلا أي ليس الأمر كما تقولون ثم جيء بعد بخبر وأكد بكلا وهو قوله {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ}.

وأما قوله في سورة المؤمنين [١٠٢]: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ, كَلَّا}، فلها مواضع ثلاثة، أولها: لقوله ارجعون. فقيل له كلا أي لا ترد (٢). والثاني قوله تعالى اعمل صالحًا، فقيل له كلا، أي لست ممن يعمل صالحًا وهو لقوله [الأنعام ٢٨]: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} والموضع الثالث تحقيق لقوله إنها كلمة هو قائلها. وأما قوله في [الشعراء ١٣]: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَال كَلَّا} فهو رد في حالة وردع في أخرى. فأما إمكان [؟ مكان] الشرح فقوله أخاف أن يقتلون فقيل له كلا أي لا تخف هذا ردع. وأما الرد فقوله أن يقتلون فقيل له لا يقتلونك فنفى أن يقتلوه (٣) وأعلم أنهم لا يصلون إلى ذلك. وأما قوله في هذه السورة [الشعراء ٦١]: {قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَال كَلَّا}. فهو نفى لما قبله وإثبات لما بعده. وأما قوله في [سبأ ٢٧]: {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا}، فلها ثلاثة مواضع: أحدها أن تكون ردًّا على قوله أروني أي أنهم لا يرون ذلك وكيف يرون شيئًا لا يكون. والموضع الثاني قوله ألحقتم به شركاء فهو رد له أي


(١) هو العاص بن وائل السهمي كما في رواية الصحيحين وأحمد وفي السيرة بهامش الروض أيضًا ٢٢٤: ١.
(٢) في الأصل "لا يرد".
(٣) في الأصل "أن يقتلون" وله وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>