والغرض أن تعلم أن هؤلاء اقتبسوا منه في معظم الأبواب إن لم نقل إنهم اختلسوها برمتها. وليس هذا ببدع فقد ذكر ابن خلكان في ترجمة الفراء أنه وقف على كتاب (البهاء) له رأى فيه أكثر الألفاظ التي توجد في الفصيح وهو في حجم الفصيح، وعلى الحقيقة ليس لثعلب في الفصيح سوى الترتيب وزيادة يسيرة، وفي كتاب البهاء أيضًا ألفاظ ليست في الفصيح، وليس في الكتابين اختلاف إلا في شيء قليل اهـ. أقول وسماه ابن النديم (ص ٦٧) البهي ألفه لعبد الله بن طاهر، ومثله ما ذكره العلامة ابن السيد (١٤١) أن ابن قتيبة نقل هذه الأبواب (لعله يريد أبواب الخيل) كلها من كتاب الديباجة لأبي عبيدة، أليس إذًا بممكن أن يكون كتابنا هذا منهلًا سائغًا محجوبًا عن العيون ارتوى منه الوارد والصادر والأول والآخر ولم يدلوا عليه لئلا يكدروه.
وبهذا يظهر لك فضل كتيب الكسائي هذا، فإن متأخري اللغويين لم يميزوا بين الغث والسمين، وخلطوا فصيح الكلام بغيره، ودونوا جميع اللغات من غير تنبيه على المستعمل منها والمهجور والمقبول والمردود. وهاك مثالًا لذلك قولهم: جبنة بضم فضم فتشديد، وهذا الضبط هو الفصيح كما قد تنبه له الخفاجي، ولكن اللسان والتاج يقدمان عليه لغتي الضم والضمتين.
وبحثت عن اللغات الشاذة في التعليق ونبهت على صور الكلمات الملحونة بعلامة (ل) أي كما كان يلفظ بها زمن الكسائي وما يقرب منه أخذًا من الكتب المذكورة سابقًا. وقد لقيت في هذا العراض عرق القربة، إلا أنه يصغر بجنب مقام الكسائي من اللغة، وإعجابنا معاشر المسلمين بهارون، رحمهما الله.
وقد نقبت عن الكتاب في جلّ المظانّ الحاضرة لعلَّي أقف منه على عين أو أثر، أو خبر، فلم يقدر لي الظفر بالوطر. غير أنه معزو إليه في الأصل كما قد أثبت صورته هنا: وأما مضمون الكتاب فجله لا يلائم ما رواه اللغويون عن الكسائي فانظر الأعداد ٢ و ١٩ و ٦٤ و ٨٧ و ١٠٢ وفيه ما يلايمه بعض الملايمة أو تمامها، وانظر العددين ٦٢ و ٩٠.
وفيه مما فات القاموس واستدركه البلكرامي: المسرحة للمشط، ورجال كثير ونساء كثير، والناطف لنوع من الحلوى. وفيه من خلاف المشهور قوله: لا يقال