وأما استناد جلّه إلى أبي الطِّيب فأظنه ما لا يتطرق إليه أدنى ريبة فإن ما في نسخة الشِرْوانيّ كله منقول من المخطوط المنسوبة وأصحابُها آحاد الدهر وأقطاب العصر. وغيره يعتزي إلى الثعالبيّ أو إلى أبي على الحاتمي صاحب المُوْضِحة (انظر لها معجم الأدباء ٥٠٤: ٦ والصبح المنبيء للبديعي بهامش التبيان ١: ١٤٤ والوفيات ١: ٥١٠ وغيرها) في مساوي المتنبّئ الذي زار أَبا الطِّيب في منزله ببغداد ونعَى عليه سَرِقاتِه ونَدّد بها، أو إلى صاحب إيضاح المشكل وكأنه عاصر المتنبيءَ، أو إلى الصاحب العَميديّ في الإبانة عن سَرِقات المتنبيء لفظًا ومعنى المتوفي سنة ٤٣٣ هـ، أو إلى من يُضاهيهم في قرب العهد، أو يتعلق من أبي الطِّيب بسبب الودّ.
على أن التاريخ حَفِظ لنا أنْ ليس الموجودُ في جُلّ النُسَخ كل شعر الرَّجل قال صاحب إيضاح المشكل (خزانة البغدادي ١: ٣٨٣) أخبرني أبو الفتح عثمان بن جني أن المتنبيء أسقط من شعره الكثيرَ وبقي ما تداوله النَّاس اهـ. وقال الشيخ أبو العلاء المعري في مقدمة لزومه (١: ٢١ سنة ١٣٢٣ هـ) أن أَبا الطِّيب استعمل السين المكسورة دون المفتوحة والمضمومة والساكنة اهـ. مع أن له قصيدة على المفتوحة وهي (١):
هذِي بَرزتِ لنا فهجتِ رسيسا
وأبو العلاء الحُفَظة ليس ممن يُظنّ بمثله النسيان، فليس حُكمه هذا إلَّا على خلوّ نسخته عن هذه الكلمة. وورد في نسخة بومباي العتيقة في عنوان رائيّته في هجاء كافور التي ذكرناها في الزيادات هذه: أن له جُملة من الأشعار توجد مبعثرة في بعض النسخ دون سائرها. ويؤكده بيتان وجدتهما في إبانة الصاحب العميديّ والظاهر أنهما من قصيدتين عبثتْ بهما أيدي الضياع فلم نقف لهما على عين ولا أثر. وقال ابن نُباتة المصري في سَرْح العيون (بهامش الغيث سنة ١٣٠٥ هـ ١: ٣٢): وله أشعار ولم تُدْخَلْ في ديوانه. ثم أورد بيتيه على اللام المنحولين. فهذا وأمثاله هو الذي حدا بي إلى جمع ما فات مخافة ضياعه.
(١) ولعل المتنبيء أسقطها من الديوان لأن الممدوح بها وصله بعشرة دراهم (راجع معجم الأدباء: ٢٠٤).