العلّامة الكبير الأستاذ عبد القادر المغربيّ، ولكنّه سرّح طرفه في سبع صفحات، ورأى أن التصحيح لا يقلّ عناءً عن تأليفها، فزهد فيها وردّها بخِتامها بعدما أتعب جواده وأَدْمَى أَظَلَّه.
ثمّ بدا له أن يرسلها إليّ، فلمّا وقفت عليها تحقّقت أنّ دون تصحيحها خَرْطَ القتاد، فألقيتها ورائي ظهريًّا، وأضربت عنها صفحا بُرهة من الزمان. ثم إنَّ الأستاذ زارنا في عليكَره، وجرى معه ذكر الرسالة، وعزم عليّ في تصحيحها فأبديت له عذري، وأنَّى لي أن أخوض في عُبابها وأتمكّن من ردّها إلى الأصل إلّا بعد مُكابدة الأَمَرَينَ. ومما كان يثّبِط من جأشي، وينكّبني عنها، أنها بعد كلّ هذا رسالة للمبرَّد لا يبدو لي عليها أثرٌ، وهي بعد كيت وذيت لا ناقة لي فيها ولا جمل، ولستُ منها في قبيل ولا دبير، ولا عير ولا نفير، يذهب فيها وُكْدى وكَدّى أدراجَ الرياح، إن قُدّر لي فيها النَجاح، لأني رددتُ كل كلمة إلى أصلها، من دون أن أذكر غلطها وخللها.
ولمّا صَحّت عزيمتي هذا العام (١٣٥٥ هـ) على الرحيل إلى البلاد العربيّة بادرتُ إلى تصحيحها لأقدّمها لُهْنَةً للشُداة، فكابدتُ لها ما كابدت من عناء مُعَنٍّ، في الفَحْص عن أسماء البطون والأفخاذ في دواوين العلم الحاضرة، حتى توفَقْتُ إلى ردّها إلى أصلها بقدر الجهد والطاقة، غير كلمات يسيرة، لا يضرّك جهلها، كما لا يزيدك فضلًا علمها.
ووعدني صديقي المستشرق الألماني الأستاذ آتوشييز أن يطلب لي صور النسخة الإسبانية، إلّا أنّ أهْبة السفر أعجلتني أن أنتظرها.
فجاء ولله المنّة كتابًا خلا من شوب التصحيفات، وصفا مورده من الأكدار، لم يُرد مصحّحه أن يعزو الفضل لنفسه، ويجلب النار إلى قُرصه، فلم يذكر مما يوجد من مئآت الأغلاط شيئًا، ولم يَسْرُدْ جريدتها ضَنَّا بعُمر القارئ أن يضيع فيما قد كفاه مؤونتَه.
ثمّ إني رأيت بدار كتب مصر نسختين أخريين ١ - ٢ مجاميع ش، و ١٨٣٩ تاريخ - مصحفتين، وأولاهما نسخة المرحوم الشنقيطي، أصلح فيها بعض الأغلاط الحقيرة، وقد أحلتُ على صفحاتها في الطرّة، وعارضتُ بها نسختي هذه وعلامتها ش، ويظهر أنهما من أصل استنبول.