لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ، أي وكَذا الْمُنَجِّمُ وَالْحَاسِبُ وَالْمُهَنْدِسُ، لأن أهلَ العُرفِ لا يَعُدُّونَهُمْ مِنْهُمْ، قال في الْمَطْلَبِ: والمرادُ بالْمُقْرِئ التَّالِي فقطْ، أما العارِفُ بالرِّوَايَةِ وَرِجَالِهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْعَالِمِ بطُرُقِ الْحَدِيثِ، قال: وقد أفْهَمَ كلامُ الغزاليِّ في وسيطِهِ أنهُ مِنْهُمْ ولا يدخُلُ أيضًا علْمُ النَّحْو وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ وَالْعَرُوْضِ وَالْقَوَافِي، ولم يتعرَّضِ الفُقَهَاءُ لها كأنَّهُم أدخَلُوهَا في علمِ الأدَبِ، وكذا علمُ البَيَانِ والبدِيع والمعانِي وعلمُ الأنغامِ والموسِيقَى ونحْوهَا.
وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ عِنْدَ الأكْثَرِينَ، لأنهُ بِدْعَةٌ وَخَطَرٌ، ونقله العَبَّادِيُّ في زوائدِهِ عن النَّصِّ، وقال المتوليّ: يَدْخُلُ، ومال إليهِ الرافعيُّ في شرحَيهِ. والحق أن مَنْ كَانَ عَارِفًا باللهِ وصِفَاتِهِ وما يَجبُ لَهُ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيهِ فَيَدْخُلُ فِي العُلَمَاءِ، بَلْ هُو أَشْرَفُ الْعُلُوْمِ؛ وَأنَّ مَنْ كَانَ دَأْبَهُ الْجَدَلُ وَالشَّبَهُ وَخَبْطُ عَشْوَاءَ مِنَ الحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ وَالدُّعَاءُ إِلَى الضَّلالِ، فلا يَدْخُلُ فِيهِمْ وَهَكَذَا الصُّوْفِيَّةُ يَنْقَسِمُونَ كَانْقِسَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، وقد ذكرتُ هنا في الأصلِ فروعًا مهمَّةً يجبُ عليك المسارعةُ إليها.
وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكينُ وَعَكْسُهُ، أي حتى يجوزُ الصَّرفُ إلى هولاء من الوصيَّةِ لهؤلاءِ، وعكسُهُ لأنَّ كلَّ واحدٍ من الاسْمَينِ يقعُ على الفريقينِ عند الانفرادِ، وَلَوْ جَمَعَهُمَا، أي فأوصَى للفقراءِ والمساكينِ، شُرِّكَ نِصْفَينِ، كما في الزكاةِ بخلافِ ما إذا أوصَى لبني زَيدٍ وبني عَمْرٍو فإنهُ يقسَمُ على عددِهِم ولا يُنَصَّفُ، وَأَقَلُّ كُلِّ صِنفِ ثَلاثَةٌ كما فيها أيضًا، وَلَهُ التَّفْضِيلُ، أي بين الثلاثةِ ولا يجبُ التسويةُ بل يُصرف إليهم على قَدْرَ حاجاتِهِم، فلو دفعَ إلى إثنينِ غُرِّمَ لِلثَّالِثِ الثُّلثُ أو أقلَّ ما يُتَمَوَّلُ، فيه الخلاف في نظيرِهِ من الزكاةِ، أَوْ لِزَيدٍ وَالفُقَرَاءِ فَالْمَذهَبُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ فِي جَوَازِ إِعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ، لأنهُ أَلْحَقَهُ بهِم، وَلَكِنْ لَا يُحْرَمُ، أي للنصِّ عليه وإنْ كان غنيًّا، وقوله (فَالْمَذْهَبُ) عبَّر عنهُ في الروضة بالأصحِّ، وحكى في المسألةِ سبعةَ أوجهٍ لَخَّصْتُها مِن كلامِ الرافعيِّ، وقد ذكرتُها في الأصلِ؛ منها: أنَّ لزيدٍ رُبُعَ الوصيَّةِ والباقي للفقراءِ، لأن أقلَّ ما يقعُ عليه اسمُ الفقراءِ ثلاثةٌ، ومنها: أنَّ لهُ النِّصْفَ ولَهُمُ النِّصْفَ.