للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان العلمُ في الصدر الأَوَّلِ والثاني في صدور الرجال، ثم انتقل إلى القراطيس وصارت مفاتحه في صدور الرجال، فلا بد لطالب العلم من معلم يفتح له ويطرق له. وقد قال بعض الحكماء: الْعِلْمُ يَفْتقِرُ إِلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءٍ مَتَى نَقَصَ مِنْهَا شَىْءٌ نَقَصَ مِنْ عِلْمِهِ بِقَدَرِ ذَلِكَ، وَهِيَ: ذِهْنٌ ثَاقِبٌ، وَشَهْوَةٌ بَاعِثةٌ، وَعُمُرٌ طَوِيْلٌ، وَجِدَّةٌ، وَأسْتَاذٌ. وَلَهُ خَمْسَةُ مَرَاتِبَ: أوَّلُهَا أَنْ تُنْصِتَ وَتَسْمَعَ، ثُمَّ أَنْ تَسألَ فتَفْهَمَ، ثُمَّ أَنْ تَحْفَظَ مَا تَفْهَمْ، ثُمَّ أَنْ تَعْمَلَ بِمَا تَعْلَمْ، ثُمَّ أَنْ تُعَلِّمَ مَا تَعْلَمْ.

وكما يجب على المتعلم التَعَلُّم، فكذلك يجب على العالم التعليم، قال الله عَزَّ وَجَل: {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (٢٦)، ويُقرأ تُعَلِّمُون وتَعَلّمُون بمعنى تتعلمون فتجمع القراءات الثلاث العلم والتعلم والتعليم. وقال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (٢٧) وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (٢٨).

هذا إيجازٌ في أدابٍ جامعة تعينُ فضل الفقه وطلب العلم.

٢ - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةَ الْفِقْهِ يُحَتِّمُهَا الإِيْمَانُ:

إِنَّ مُهِمُّةَ الرُّسُلِ الْبَلاَغُ عن رب العالمين بقصد معرفة مراد الله عَزَّ وَجَلَّ من عباده على وجه معين هو سبيل الله؛ قال تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ} (٢٩) وقال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (٣٠)، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا} (٣١) وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (٣٢).


(٢٦) آل عمران / ٧٩.
(٢٧) آل عمران / ١٨٧.
(٢٨) البقرة / ١٥٩.
(٢٩) النحل / ٣٥.
(٣٠) النساء / ١٦٥.
(٣١) القصص / ٥٩.
(٣٢) الإسراء / ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>