للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْبِيْهٌ: ما ذكرناه من سقوط الضمان على المتبِع إذا ألقى المطلوب نفسه في ماء أو نار أو من سطح قصدًا، أردنا به العاقل البالغ، أما إذا كان المطلوب صبيًا أو مجنونًا فينبني على أن عَمْدَهما عمدٌ أم خطأٌ؟ إن قلنا: خطأ! ضَمِنَ؛ وإلا فلا.

وَلَوْ سُلِّمَ صَبِي إِلَى سباحٍ لِيُعَلمَهُ فغَرِقَ وَجَبَتْ دِيَتُهُ، لأنه غرق بإهماله؛ ويكون دية شبه العمد؛ كما لو ضرب المعلم الصبي للتأديب فهلك، واحترز بـ (الصبي) عن البالغ؛ فإنه إذا سلم نفسه لتعلم السباحة ففي الوسيط أنه إذا خاض معه اعتمادا على يده فأهمله احتمل أن يجب الضمان، والذي ذكره العراقيون والبغوي: أنه لا ضمان؛ لأنه مستقلُّ.

فَصْلٌ: وَيَضمَنُ بِحَفْرِ بِئْر عُدوَان، لتعديه بذلك، لَا في مِلْكهِ وَمَوَاتٍ، أي للتمليك أو للارتفاق لعدم التعدي، وعلى الموات حُمِلَ الحديث الصحيح [البِئْرُ جُبَارٌ] (١٩٣)، وَلَوْ حَفَرَ بِدِهلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَى رَجُلًا فَسَقَطَ فَالأظْهَرُ: ضَمَانُهُ، لأنه غَرَّهُ، والثاني: لا، لأنه غير مُلجِئٍ فهو المباشر لإهلاك نفسه باختياره، أو بِملْكِ غَيْرِهِ؛ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلَا إِذنِ فَمَضمُون، لتعديه، فإن كان بالإذن فهو كحفره في ملكه، أَوْ بِطَرِيْقٍ ضَيقٍ يَضُرُّ المَارةَ فَكَذَا، للتعدي أيضًا، أَوْ لَا يَضرُّ وَأَذِن الإِمَامُ فَلَا ضَمَان، وَإِلا، أي وإن لم يأذن، فَإن حَفَرَ لِمَصلَحَتِهِ فَالضمَان، لافتياته على الإمام، أَوْ لِمَصلَحَةٍ عَامة, أي كالحفر للاستقاء، فَلَا في الأَظْهَرِ، لما فيه من المصلحة العامة، وقد تعتبر مراجعة الإمام في مثله، والثاني: نَعَمْ، والجواز مشروط بسلامة العاقبة، وَمَسْجِدٌ كَطَرِيقِ، أي فيأتي في بيانه (•) ما سلف في الحفر في الطريق وقد عرفتَ تفصيلهُ.


(١٩٣) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الزكاة: باب في الركاز الخمس: الحديث (١٤٩٩). ومسلم في الصحيح: كتاب الحدود: باب جرح العجماء: الحديث (٤٥/ ١٧١٠). وأبو داود في السنن: كتاب الديات: باب العجماء والمعدن: الحديث (٤٥٩٣). والترمذي في الجامع: كتاب الزكاة: باب ما جاء في أن العجماء جرحها جبار: الحديث (٦٤٢).
(•) في النسخة (١): بنائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>