وَيُكْرَهُ طَلَبُهُ، لما فيه من الخطر، وَقِيْلَ: يَحْرُمُ، أي ولا تحرم توليته كما صرح به القاضي؛ لكن استشكله الإمام، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَلَهُ الْقَبُولُ، أي ولا يلزمه فربما قام به غيره.
وَيُنْدَبُ الطَّلَبُ إِنْ كَانَ خَامِلًا، أي غير مشهور بين الناس، يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ؛ أَوْ مُحْتَاجًا إِلَى الرِّزْقِ، أي مع الشهرة، وإذا وَلِيَ صَارَ مَكْفِيًّا من بيت المال لينتفع به، وَإِلَّا، أي وإن كان مع الشهرة مكفيًا، فَالأَوْلَى تَرْكُهُ، أي الطلب والقبول لما فيه من الخطر من غير حاجة إلى ارتكابه، قُلْتُ: وَيُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيْحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، أي الطلب والقبول إن لم يطلبه؛ وعلى ذلك حُمل امتناع السلف، وهذا ما صَحَّحَهُ الرافعي في شَرْحَيْهِ أيضًا، وَالاِعْتِبَارُ فِي التَّعْيِيْنِ وعَدَمِهِ بِالنَّاحِيَةِ، أي فلا يجب على من يصلح للقضاء طلب القضاء ببلدة أخرى لا صالح بها ولا قبوله إذا ولي.
فَرْعٌ: قال الإِمامُ والغزاليُّ: يجب أن يكون في القرى من القضاة عدد بحيث لا يكون بين القاضيين مسافة العَدْوى وفي هذا التحديد نظر.
فَصْلٌ: وَشَرْطُ الْقَاضِي: مُسْلِمٌ، أي فلا يُوَلَّى كَافِرٌ قال تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}(٥٠١) وَلاَ يُوَلَّى أيضًا عَلَى أهْلِ دِينِهِ. مُكَلَّفٌ، فلا يُوَلَّى صبيٌ ولا مجنونٌ لنقصهما. حُرٌّ، أي فلا يُوَلَّى رقيقٌ لنقصه أيضًا. ذَكَرٌ، أي فلا تُوَلَّى امرأةٌ لنقصها؛ والخنثى الْمُشْكِلُ كَهِيَ. عَدْلٌ، أي فلا يُوَلَّى فاسقٌ لنقصه. سَمِيْعٌ؛ بَصِيْرٌ؛ نَاطِقٌ، لأن الأَصَمَّ بالكلية لا يُفَرَّقُ بين إقرارٍ وإنكارٍ، والأعمى لا يعرف الطالب من المطلوب، والأخرس لا يقدر على انفاذ الأحكام، وفي معنى الأعمى من يرى الأشباحَ ولا يعرف الصُّوَرَ، نَعَمْ؛ لو كان إذا قربت منه عرفها صح كما تصحُّ ولايةُ الأَعْشَى. كَافٍ، أي فلا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ ومن اخْتَلَّ نظرُهُ بكبر ونحوه.
مُجْتَهِدٌ، أي فلا يُوَلَّى جَاهِلٌ بالأحكام الشرعية وطُرُقها، المحتاجُ إلى تقليد غيره فيها، ولأنه لا يصلح للفتوى فالقضاء أولى، وَهُوَ، أي المجتهد، أَنْ يَعْرِفَ مِنَ الْقُرْآنِ