للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ فَسِيْحًا، أي واسعًا؛ كيلا يتأذى بضيقه الخصوم، بَارِزًا، أي ظاهرًا ليعرفه من يراه، مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرًّ وَبَرْدٍ، أي وريح ودخان وغبار كيلا يتأذى به، لاَئِقًا بِالْوَقْتِ، أي فيجلس في الصيف حيث يليقُ به، وكذا في الشتاء وزمن الرياح، زاد على الْمُحَرَّر وأن يكون لائقًا بالقضاء أيضًا، لاَ مَسْجِدًا، أي فإنه يكره اتخاذه مجلسًا للحكم صونًا له عن ارتفاع الأصوات وَاللَّغَطِ، وخالف فيه الأئمة الثلاث؛ فقالوا: بعدمها، كما لا يكره الجلوس فيه للفتوى وتَعَلُّمِ القُرْآنِ والعلم؛ وهو وجه عندنا، نَعَمْ: لو اتفقت قضية أو قضايا وقت حضوره المسجد لصلاة وغيرها؛ فلا بأس بفصلها.

وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشَبَعٍ مُفْرِطَيْنِ، للنهي عنه (٥٠٩)، وَكُلُّ حَالٍ يَسُوءُ خُلُقُهُ فِيْهِ، أي كَالْهَمَّ الشديد ونحوه؛ لأنه لا يتوفر على الاجتهاد إذن، وَيُنْدَبُ أَنْ يُشاوِرَ الفُقَهَاءَ، للاتباع، وَأَنْ لاَ يَشْتَرِيَ وَيَبِيْعَ بِنَفْسِهِ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ وَكِيْلٌ مَعْرُوفٌ، لِئَلَّا يُحَابِي، والأجارة وسائر المعاملات كالبيع والشراء؛ بل نصَّ في الأُمَّ: أنه لا ينظر في نفقة عياله؛ ولا أمر ضيعته؛ بل يَكِلُهُ إلى غيره تفريغًا لقلبه، فَإِنْ أَهْدَى إِلَيْهِ مَن لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَمْ يُهْدِ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ، أي ولا خصومة له، حَرُمَ قُبُولُهَا، لأنه يدعو إلى الميل إليه وينكسر به قلب خصمه في الصورة الأُولى ولأن الثانية سببها العمل ظاهرًا، فلو قبلها لم يملكها.

فَرْعٌ: هدية من لا خصومة له في غير محل ولايته كهدية من عهد منه الهدية قبل الولاية لقرابة أو صداقةٍ؛ ولا يحرَّم قبولها على الصحيح؛ لأنها ليست حادثة بسبب العمل.


(٥٠٩) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ - وَكَانَ بِسَجِسْتَانَ - بِأنْ لاَ تَقْضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانٌ، فَإِنَّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: [لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانٌ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأحكام: باب هل يقضي القاضي: الحديث (٧١٥٨). ومسلم في الصحيح: كتاب الأقضية: باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان: الحديث (١٦/ ١٧١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>